المحامي ادوار حشوة : الديمقراطية المغدورة لعدنان بدر الحلو

هذا هو عنوان كتاب لللاستاذ عدنان بدر الحلو ( سورية الخمسينيات والديمقراطية المفقودة )
وما ورد في الكتاب هو اضافة جيدة للفكر الاشتراكي وتطوره ونظرته الى الديمقراطية كحامل لابد منه
لوحدة البلد ولحقوق كل مكوناته الوطنية ( الكتاب صدر ام 2015 وقدم له خالد نعمة ) وعن دار نشر
في حلب ص ب 444

في مقدمة خالد للكتاب توقفت عند عبارة سطرها خالد العظم السياسي والوطني الكبير حول
دور القوات المسلحة في العمل العام ( ان رئيسا في الجيش لا يمضي عليه عشر سنوات حتى يصبح
برتبة فريق ثم انهم حصلوا على الوظائف العالية والوزارات وامتلكوا السيارات والاموال
والجواهر واصبحوا يملون ارادتهم على الصغير والكبيروالوزير والرئيس وسعى اليهم كل من له
مصلحة في الدولة فكانوا يصدرون الايعاز بانجازها فتفعل هذه الغمزة ما لا يفعله القانون ) .
وتوقفت عن عبارة اخرى هي( اما نحن او نحرق البلد ) واعتاد العسكر طبخ السم خلف ابوابهم
المغلقة وستجدها عند مجلس حل وربط يصنع الرؤوساء ان شاء ويضعهم على الرف ان اراد ) وطبعا هو يقصد مجلس شيوخ العشيرة.

في الكتاب معلومات كثيرة عن الجيش وانقساماته وبنيته خطها قلم خبير رافق الحياة السياسية لاكثر من نصف قرن فالكاتب كان من الامراء الحيوين في حركة العربي الاشتراكي وكتاباته وافكاره تعكس الفكر الاشتراكي الوطني وتشكل اضافة مهمة لهذا الفكر .
في المقدمة حديث عن البدايات في جيش الوطن الذي كان بعهدة الفرنسين ثم ال الى حكم الاستقلال
متضمناً الضباط الذين اختاروا الوطن على الرحيل مع الفرنسين وكانت بنية الجيش تتكون من ضباط من المدن ومن ابناء الاغنياء والتجار في حين ان معظم الجنود وصغار الضباط من الارياف ومن الاقليات
وكان اول تنظيم وطني في الجيش هو تنظيم الضباط العرب الاحرار بقيادة عدنان المالكي وكان سريا
والتحق بالجيش بعد الاستقلال .
ذكر الكاتب ان سورية في بداية الاستقلال كانت تعاني من ضعف الدولة واجهزتها وسلطاتها التنفيذية واحزابها التي كانت هشة ومتخلفة في حين كانت امؤسسة العسكرية اكثر تماسكا وشبابا وترتبط بقيادة
توجهها ولا تخرج عليها وتاثرت بالصراع مع الصهاينة وتريد ما تستطيعه النخب السياسية الاستقلالية
في هذا المجال حاول خالد العظم ان يتعامل مع النفوذ العسكري بمرونة وان يحقق نموا اقتصاديا يساعد على تحديث الدولة وتقويتها بمواجهة النفوذ العسكري وكان يقابل قادة الجيش ويراعي مطالبهم ويبعدهم عن التحدي ويمنع اصطدامهم بالسلطة السياسية لذلك كان معظم قادة الجيش مع انتخابه لرئاسة الجمهورية ولكن االاوامر الارجية ابعدته فكان ذلك محل احتجاج الجيش
من ناحية ثانية تعرض الكاتب لظاهرة اكرم الحوراني في الحياة السياسية واوضح ان تاثيره في الجيش جاء من مشاركته في نصرة ثورة العراق وقيادته لمجموعة شباب للقتال الى جانبها كما قاد مجموعة مجاهدين للقتال في فلسطين ولانه في السابق كان له تحريضي للضباط للانشقاق عن جيش السلطة الفرنسية والانضمام الى الجيش الوطني ولانه كان وراء صدور قانون الجيش وحقوقه في مجلس النواب
ورصد الاموال له حين كان رئيسا للجنة الموازنة وفاعلا فيها كما انه كان وراء في فتح ابواب الكلية الحربية امام كل المواطنين بعد ان كانت السياسة تخصصها لفئات ومناطق وطبقات ولانه قاد بجدارة المعركة ضد الاقطاع وحصل على قانون وراء منع تهجيرهم ثم في مهرجان الشيخ بدر توج الانتصار
النهائي على دور الاقطاعين في التسلط على السلطة
ويرى الكاتب ان هذه العوامل مجتمعة جعلت له نفوذا قويا داخل الجيش خاصة في الفترة من عام
1954- 1958
وراى ان فترات الازدهار والهدوء التطور الاقتصادي كانت تستند الى تعاظم دور خالد العظم والحوراني
المتفقين والقادرين على منع الانقلابات وتنشيط الحياة السياسية وتقوية الدولة وسيطرتها على الجيش
كان في تلك الفترة وضوح في السياسة تقوم على معاداة الاستعمار والصهيونية وعلى دعم الديمقراطية
ومنع الانقلابات واعادة الجيش الى ثكناته والديمقراطية وحدها تمنع تدخل الجيش في السياسة حين تدعمها كل احزاب الساحة.
في الكتاب اضاءات ان الاحتلال الفرنسي لم يدخل دمشق في نزهة بل على جثة وزير دفاع دمشق
وان فترة الانتداب كانت تفتقر الى الاستقرار من ثورة الشيخ صالح العلي الى ثورة سلطان باشا الى ثورة هنانو الى ثورات حماة و حلب والغوطة والقلمون وكانت تحت قيادة سياسية هي الكتلة الوطنية
التي اتفق زعماؤها في حمص عام عام 1932 وكانت مكونة من هاشم الاتاسي وابراهيم هنانو وسعد الله الجابري وفارس الخوري وشكري القوتلي وعبد الرحمن كيالي وتم ابعاد الدكتور الشهبندر ارضاء للقوتلي ودون مبرر وطني .
هذه القيادة هي التي تولت المعركة وتولت التفاوض واعادة وحدة سورية ووقد ذكر الكاتب بالتفصيل كل الوقائع لحركة هذه القيادة والانقسامات فيها وتدخل الفرنسين ثم عرض الكاتب بدايات نشوء الاحزاب السورية من الحزب القومي السوري الى العربي الاشتراكي الى البعث الى الاخوان المسلمين
في الكتاب تفصيل للمعارك اليومية ضد الاحتلال واسماء القيادات الشعبية في تلك المرحلة
وكان من اطرف ما ذكر انه حين اعلنت دمشق الاضراب الستيني واغلقت متاجرها اعلن الحرامية
وقف عمليات السرقة والنشل مساهمة منهم في دعم الوطن وفعلا لم يسجل اي حادث سرقة في كل دمشق.!

كانت الطبقة السياسية التي قادت النضال ضد الانتداب مكونة من بعض الاقطاعين والتجار الا غنياء
و ابناء المدن وهي التي تولت السلطة بعد رحيل الفرنسين .
هذه الطبقة لم تكن راغبة في تطوير الجيش ولا في امداده بالسلاح وتفضله لشوؤن الامن الداخلي
وانكشفت هذه الحقيقة حين تم دفع الجيش الى حرب 1948 ضعيفا في تسليحه قويا في معنوياته
وهو الامر الذي دفع الى تشكيل بعض الضباط الشباب لتنظيم كان لاكرم الحوراني نفوذ فيه لانه طالب بزيادة موازنة الجيش وزيادة تسليحه ولانه كان وراء فتح ابواب الكلية الحربية امام كل المواطنين
بعيدا عن وساطات الاغنياء وذوي السلطة ولمجمل مواقفه الوطنية ضد الصهيونية والاقطاع.
كان الحوراني اقوى سياسي مدني بسبب تاثيره على ضباط في الجيش الذين كانوا يوالون افكاره وليس بالضرورة ان يكونوا تحت امرته .
هذا الدور للحوراني لم يأت من تنظيم فعلي بل من سلوكه حين حرض الضباط على الانشقاق عن السلطة الفرنسية ونصرته لثورة العراق 1941 ودوره في المجلس النيابي في اقرار قانون الجيش وقانون خ خدمة العلم ودوره في فتح ابواب الكلية الحربية لغير لبناء المدن بحيث صار دخولها يخضع للكفاءة
ودون تمييز في الدين او الطائفة واخيرا دور حزبه في مقارعة الاقطاع المقيم والمسيطر مما اكسبه تاييد الفقراء والفلاحين و ابناؤهم في الجيش وكل ذلك مكنه من خلق حالة شعبية ذات تاثير ونفوذ داخل
الثكنات وهو نائب وحيد في برلمان كله يوالي الاقطاع بشكل ما .
الانقلاب الاول قاده حسني الزعيم ضد الطغمة الاقطاعية الفاسدة فظن بعضهم ان الحوراني وراء الانقلاب ولكن ذلك لم يكن صحيحا وبعد ايام من الانقلاب تبين ان الزعيم مجرد ديكتاتور الغى الاحزاب
فوقع الخلاف معه تماما كما حصل مع انقلاب سامي الحناوي ثم اديب الشيشكلي فكيف يكون الحوراني صانع الانقلابات في حين ان كل قادة الانقلابات كانوا ضده؟
(هذه الانقلابات كشفت وجود تنظيمات لكل احزاب الساحة داخل الجيش فللقومين السورين تنظيم كان وراء انقلابي الحناوي والشيشكلي وتنظيم الشوام والمتدينين والاخوان كان وراء انقلاب الانفصال
ووحده انقلاب مصطفى حمدون كان وراءه الاشتراكيون ضمن تحالف مع كل احزاب الساحة معه وخاصة هاشم الاتاسي وسلطان باشا الاطرش وهو الانقلاب الوحيد الذي لم يستلم قادته من العسكر السلطة بل سلموها للمدنين وعادوا الى ثكناتهم وكان الحوراني وراء اعادة الديمقراطية الى البلد ).
الكتاب ا ستعرض بتفصيل موثق حركة الدفاع عن الديمقراطية ودور القوات المسلحة في السياسة
وذكر كثيرا من المواقف والاحداث غير المعروفة وهو كتاب يستحق القراءة ونحن نعتبره احد مصادر الفكر الاشتراكي في سورية وا غنى المكتبة السياسية السورية بدون ادنى شك وفي الزمن الصعب
لصراع الديمقراطية مع الاستبداد العسكري وحركات الاستبداد الديني يشكل ما ورد في الكتاب اضاءات للطريق الصحيح لانتصار الديمقراطية وتحية من القلب لللاستاذ الحلو
12-1-2017

About ادوار حشوة

مفكر ومحامي سوري
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.