رأي سياسي: قصة الصراع على سورية

كان الصراع على سورية منذ استقلالها. العراق يريدها مملكة لعبد الاله تحت الحماية البريطانية والأردن يريدها الملك عبد الله له تحت اسم سوريا الكبرى وتركيا تريد منها كيليكيا ولواء إسكندرون وحصلت عليهما من فرنسا
بعد الاستقلال صارت سورية مطلوبة لدخول حلف بغداد ورفضت ثم صارت هدفا للسوفيات الذين أرادوها قاعدة يخترقون عن طريقها الشرق الأوسط وفشلت محاولتهم حين قام الجيش خوفا من الشيوعية بتسليم سوريا لحكم مصر بسرعة البرق ودون دراسة ومن خلف الشرعية فتم إلغاء دور سورية عن طريق وحدتها مع نظام مصر البوليسي الذي تكفل بمحاربة الشيوعية والاخوان ثم على حلفاىه البعثين الذين منهم من كان يحرص على التعاون مع السوفيات ولا يقبل وصايتهمً
بعد الانفصال جاء انقلاب اذار تحت شعار اعادة الوحدة ولكنه في الحقيقة كان لا يريد سوى سيطرة العسكر على الحكم مستخدما البعث ستارا مؤقتا
جاء حكم حافظ الاسد نتيجة الصراع الشخصي بين أطراف اللجنة العسكرية التي قادت الانقلاب
حافظ الاسد أقام حكما ديكتاتوريا مطلقا واحتفظ بالبعث ستارا ولكن صنعه على هواه من عناصر تطيعه وتتبعه فصار عنده بعث الاسد في فترة حكم الاسد وحتى وفاته أوقف الرجل الصراع الخارجي على سورية وهي فضيلة تحسب له بغض النظر عن ديكتاتوريته واعتمد بذكاء على تحالف مع مصر والسعودية كطرف قوي وند لا تابع وشكلتا له غطاء ضد الانفجارات الطاىفية ضد حكمه في الحرب العراقية مع ايران وقف ضدها لانها برأيه تضعف طرفين معاديين لاسراىيل وظل محايدا ولم يقطع علاقته مع ايران وبعد توقف الحرب صار وسيطا للمصالحة بين العرب وايران في الصراع الدولي رفض اي تحالف خارجي وكان متوازنا لا السوفيات يشعرون بالغربة ولا الاميركيون يشعرون بالقهر
في الحرب اللبنانية صارت سوريا تصارع وعبر الحرب استطاع وبموافقة دولية واسرائيلية ان يحتل كل لبنان لمدة تزيد عن مدة الاحتلال الفرنسي له. وحين حشدت الولايات المتحدة القوات لغزو العراق بسبب الكويت انقلب فجاة عن سياسة
التوازن وانضم لاميركا وأرسل خمسين الف جندي للمشاركة في الحرب وبقيت رمزية وحمت نظامه من هجمة الأميركان
التي كانت ستطاله
حول موقف انقلاب اذار من الاخوان المسلمين كان حكم اذار هو ضدها عقائديا ولكنه لم يقمعهم وكل من اعتقلوا من قبل الحكم العسكري بعد انقلاب اذار ١٩٦٣ من الاشتراكين ثم من البعثين العفلقين ثم من بعثيي شباط ثم من حزب العمل الثوري وحتى العسكريون الذين قاموا بالانفصال لم يعتقلوا في ١٩٦٥ قامت مجموعة الطليعة في الاخوان بتظاهرة في حماة ضد النظام
ولم تطالب بالديمقراطية بل بحكم الله واعتصمت في جامع السلطان ولم تكن مسلحة وبغباء تم تدمير الجامع واعتقل قادة التظاهرة ولم يكن ذلك ضروريا وتمت محاكمتهم ثم أعفي عنهم في الثمانينيّات وبتدخل سافر من العراق أخذ الصراع بين الطليعة والحكم شكلا طاىفيا لأول مرة وَقّاد الاخوان عمليات اغتيال ونسف طاىفية وقتلوا الطلاب العلوين في مدرسة المدفعية فأعد الاسد نفسه لمواجهة ضرورية لهم في حماة وانتهت بمجزرة راح خلالها اكثر من عشرين الف مدني لا علاقة لهم بالاخوان وقتل على الجدران ابرياء بشكل يندى له الجبين ولم يكن ضروريا وهدمت احياء بكاملها وغابت وتشرد الكثيرون وهدمت كل مساجد وكناىس المدينة بلا مبرر معقول. التحالف مع مصر وسرعة الحسم وعدم اي انشقاق إسلامي في الجيش حققت نجاحا مؤقتا قد ينفجر لاحقا حين تتغير عوامل النجاح الذي تم .
توفي الاسد فقامت الشبكة الأمنية والعسكرية بتوريث ابنه بشار عبر تمثيلية استمرت لساعات عدل فيها دستور البلاد لصالحه
ورفع عسكريا من رائد الى فريق وأعلن قاىدا للجيش والقوات المسلحة وامينا عاما للحزب الحاكم فكانت أسرع عملية انتقال في التاريخ .!

في حكم الريس بشار وبعد خطاب القسم الذي تضمن وعودا بالانفتاح والتطوير والتحديث برزت مواقف سياسية جديدة فالاخوان تقدموا بمبادرة قام الاستاذ منصور الأطرش باطلاعناعليها وطلب الراي وهي التالية (يعلن الاخوان المسلمون ان الرىيس بشار الاسد ليس مسؤولا عن الماضي وأنهم مستعدون للعمل بالوسائل السياسية وينبذون العنف ويطالبون بإطلاق سراح المعتقلين والغاء القانون ٤٩).
رحبنا بالمبادرة وقلنا اذا توفرت النوايا الصادقة يمكن بناء مصالحة عن الماضي من جهتنا كنا نبحث في إمكانية دفع الرجل
لقيادة عملية انتقال سياسي من الحكم الرئاسي الى حكم برلماني تنبثق منه السلطة من صناديق الاقتراع وفكرنا ان الرجل يصلح
رئيسا دستوريا جيدا ولا يصلح ديكتاتورا وراينا انه اذا قاد البلد نحو ذلك سوف ينقل الأزمة الطاىفية من الشارع المحقون الى البرلمان ويسيسها ويمنع انفجارها لأننا كنا نخشى الانفجار الطاىفي ونتوقعه ما لم يقم العقل السوري الوطني بتطويقه سياسيا مسبقا ولو بتنازلات صعبة ومن خلال ريس يتفهم هذه الحاجة
ما حدث ان الأمور أخذت اتجاها مضادا بسبب ضغوط الشبكة الأمنية التي رفضت عرض الاخوان رغم دعم اردوغان له فكان
الانفجار منتظرا.
مع انطلاق التظاهرات الشبابية التي طالبت بتغيير النظام لا باسقاط الدولة كان الوضع السياسي على الشكل التالي (فك التحالف
مع مصر والسعودية والتحالف مع ايران عسكريا ضد المحيط العربي السني ) قادت الشبكة العسكرية البلد الى الحل القمعي العسكري للتظاهرات ومن هذا الباب دخل الاخوان الى حضن التظاهرات ودفعوا البعض الى حمل السلاح ودخلت دول الإقليم العربي وتركيا وامدت بالسلاح الذي اول ما توجه الى شباب التظاهرات الديمقراطين وصفاهم قتلا وأبعادا وانتقلت الأمور نحو حرب طائفية وغاب عنها شعار الديمقراطية وحلت محله مشاريع الخلافة والدولة الدينية, فاستنجد النظام بالحليف الإيراني الذي دفع اليه قوات حزب الله ثم قوات الحرس الثوري ثم ميليشيات شيعية من العراق وافغانستان وصارت ولاية الفقيه مشروع المستقبل المضاد بعد سنوات وفقدان قدرة النظام على الحسم السريع كما كان في حماة وبعد انشقاقات في جيش النظام وفي حزب البعث نفسه وبعد ان احاطت قوات المسلحين الساحل وصار التوازن لصالحها طلب النظام تدخل الروس فجاؤا بحجة مقاومة الاٍرهاب ولكنهم اولا دمروا قوات المعارضة وفكوا الحصار عن الساحل وأخذوا شرعية اميركية للبقاء في مناطق معينة
في هذه الفترة تم هدم ممنهج للمدن والقتل العشوائي ونهبت البيوت والمتاجر والمعامل وهدمت المساجد والكنائس وتبادل الطرفان الوحشية ومات نصف مليون مدني وأكثر من مائة الف جندي سوري وهجر عشر ملايين سوري الى بلاد الله الواسعة وصارت السماء السورية مسرحا للطيران الروسي والاميركي والاوربي واليهودي وفقدنا استقلالنا وعاد الصراع على سورية مجددا وبرزت مشاريع التقسيم والضم وصرنا دولة محتلة, هذه هي القصة اما الحلول فتنتظر سياسة اميركية جديدة ومؤتمرات تنظمها موسكو وطهران وتركيا تدوّلت قضية سورية ولم يعد للنظام ولا للمعارضة من دور مهم الا في حدود ارتهانهما للخارج
هناك شعب لم يكن طرفا وهو الذي قتل شبابه ونهب وهجر هو الذي سيقود المستقبل ويحرر ويوحد ويعاقب كل الذين تسببوا في تهديم البلد وجيشها ومصادر ثروتها ومهما طال الزمن فالمستقبل هو للذين رفضوا الحرب ولم يتلوثوا بالدم وسينتصرون .
٥-١-٢٠١٧

……………………………

تعليق من اسرة التحرير: نحب ان نورد النقاش الذي دار حول المقالة على الفيسبوك بين الكاتب المحامي ادوار حشوة والدكتور طلال عبدالله الخوري رئيس تحرير موقع مفكر حر

رئيس التحرير: الأستاذ ادوار حشوة اسمحوا لي ان اختلف قليلا مع ما قلتم: انا لا اعتقد بأن حافظ الأسد قاد سياسة متوازنة بين روسيا وأميركا .. انا اجزم بأن سوريا كانت عضو سري كامل بحلف وارسو وتابعة كليا للاتحاد السوفييتي والمخابرات الكي جي بي, واعتقد بأن الكي جي بي ساعدته لتحقيق انقلابه مع عملائها الكثر بمختلف التيارات .. وساندته اقتصاديا حتى استقر الأمر له… الاختلاف الثاني الذي اريد ان اشير له هو ان الحياة السياسية البرلمانية هي جزء صغير من الحل ولكنها قطعا ليست الحل (على سبيل المثال مصر يوجد بها انتخابات برلمانية ومع ذلك بقيت دولة استبدادية ) الحل هو بنوعية الاقتصاد, فطالما أن معظم الاقتصاد السوري بيد الحكومة ستبقى الدولة السورية استبدادية… اهم خطوة لإصلاح وضع سوريا هو استبدال الاقتصاد الحكومي الاحتكاري الاقتصاد التنافسي الحر… وبدون هذا سنبقى ندور بحلقة مفرغة… واسف على الاطالة

الكاتب: في الانظمة المستبدة لا يوجد انتخابات حرة بل انتخابات تتم بطريقة اسميتها( التعيين بالانتخاب ) لإنتاج ديمقراطية
مزورة وللاستهلاك الخارجي ولا دور للمجالس غير رفع الاصابع
انا مع نظام اقتصادي يواكب لانتخابات الحرة مع حق الدولة في التدخل في حالتي الفساد والاحتكار وفي نظامنا الاقتصادي تم ربطه بالعائلة ولم يعد اقتصادا بل مزرعة لعصابة
وليس صحيحا ان المخابرات السوفياتية جاءت به بل غيرها, ولولا ان جمال الأتاسي اصر على اشراك الشيوعين بوزير واحد لما شاركهم وداىما يكرهم, وفي حديثي معه غداة حركته قال انه مع إقامة الحركة العربية ألواحدة بدون الاخوان والشيوعين ثم بعد أشهر انشا الجبهة الكرتونية

رئيس التحرير: استاذي العزيز: قلتم ” انا مع نظام اقتصادي يواكب لانتخابات الحرة مع حق الدولة في التدخل في حالتي الفساد والاحتكار”؟؟ ما هو نوع هذا الاقتصاد؟؟؟ لدي كل مجلدات علوم الاقتصاد… ولا يحوي اي تعريف لهذا الاقتصاد… اما عن من جاء بحافظ الاسد فلا احد يعلم به الا المخابرات الأمريكية والروسية … وانا اجادلك : اعطني ما هي الفروق بين سوريا ودول المنظومة الاشتراكية السابقة بحلف وارسو.. هل تذكر الاتفاقية الاستراتيجية للدفاع المشترك مع الاتحاد السوفياتي في الثمانينات.. هنا اصبحت سوريا قانونا من حلف وارسو

الكاتب:
للتوحد معاهدة دفاع مشترك بل معاهدة لتوريد السلاح على حسب علمي ولو كان في حلف وأرسو كيف أرسل قواته
لمساندة اميركا في حرب الكويت؟
اقتصاد حر مع حق التدخل في حالتي الاحتكار والفساد بشرط ترافقه مع انتخابات حرة

رئيس التحرير: هو لم يساند اميركا هو ساند حليفه الولي الفقيه الايراني, وعمليا كانت مشاركة اسمية من اجل مصالحه السياسية الخاصة واميركا قبلت بهذا لكي تعطي تشريعا دوليا لعملياتها العسكرية ..وقد سألناكم سؤال محوري ولم تجبوا عليه ونكرره: اعطنا فرقا عمليا واحدا بين سوريا ودول حلف وارسو؟؟ هذا من جهة اما قولكم اقتصاد حر مع حق التدخل : هذا هو بالضبط يا سيدي الاقتصاد التنافسي الحر.. مع حق التدخل للقضاء بشرط ان يكون القضاء مستقل وحر.. اي انتم بكلمات اخرى قلتم ما كنا نقوله ولكن بكلمات اخرى

مواضيع ذات صلة: اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة
اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة 2

About ادوار حشوة

مفكر ومحامي سوري
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.