الحلم الكبير, فكرة قناة نهرية عراقية سورية

مازلت أتذكر فكرة الأستاذ السوري والتي عرضها سليم مطر في كتابه الذات الجريحة, فكرة لو تمت لغيرت شكل المنطقة, ولجعلت من العراق وسوريا قبلة للعالم, ولتشكل منافس اقتصادي حقيقي لاقتصاديات دول المنطقة بل والعالم, وقد تم التعامل مع الفكرة السورية بتجاهل تام, حيث كانت توجهات الحكم ألصدامي بعيد عن أي تخطيط للنهوض, بل جل أفكاره في الطريقة الأمثل لديمومة حكمه, أم الجانب السوري فكان يدرك ممانعة النظام العراقي, مما جعلهم لا يهتمون بها, لان الفكرة لا تتم ألا باتفاق الدولتين.
الفكرة تتمثل بشق قناة نهرية لحركة السفن العملاقة, تمتد من سواحل سوريا على البحر المتوسط إلى شواطئ الخليج العربي في البصرة.
عندها ستكون حركة سفن أوربا أسهل وأسرع للوصول إلى النفط, ويتشكل خط ملاحة تجاري جديد يلغي أهمية قناة السويس, بسبب الفرق في المسافة, وضمن فكرة الأستاذ السوري أن يتم استغلال ضفتي القناة من العراق إلى سوريا, ببناء مدن سياحية وفنادق ومدن ملاهي ومراكز تجارية وأراضي زراعية, حيث تتشكل نهضة اقتصادية وزراعية وسياحية واجتماعية للبلدين.
لكن معوقات الفكرة كثيرة, ومن أهمها:

●الفوضى الداخلية للبلدين
يعيش العراق منذ فترة طويلة حالة من عدم الاستقرار, بسبب الصراعات السياسية, وتواجد العصابات الإرهابية, بالإضافة للفساد الكبير الذي ينخر في جسد كل مؤسسات الدولة, مما عطل أحلام العراقيين بحصول نقلة في حياتهم, ولهذه العوامل العديدة يتحول أي حلم إلى كابوس, خصوصا مع تواجد طبقة حاكمة لا يهمها ألا مصالحها.
أما سوريا فهي تعيش ظرف شديد التعقيد, بعد سنوات الحرب الطويلة, فالبلد محطم, والعصابات إرهابية تسيطر على بعض الأرض, وهنالك عامل إقليمي داخل في الساحة السورية بالفعل, كل هذه الأمور تجعل كل الأحلام مؤجلة إلى فرصة تاريخية أخرى.
قد يتحقق الحلم في زمن أخر مع شخوص آخرين, أما ما موجود ألان من ساسة, فلن يكونوا جزءا من أي الحلم.

●رفض دول الإقليم
بعض دول الإقليم تمثل عقبة كبيرة أمام أي جهد للنهوض والأعمار, فالسياسة السعودية والقطرية ترفض المشاريع الكبيرة للدول ألأخرى, والتي قد تكون بوادر تغيير ايجابي لدولة ما, لأنها طامحة للانفراد بتفوقها الاقتصادي, وهي ترغب بإبقاء العراق وسوريا بحاجة دوما للأخر, فلا يسعدها هكذا مشروع عملاق, وكان نهجهم المعروف ضد العراق وسوريا, داعم لأي عنف أو فوضى وسعت بكل جهد كي لا يستقر البلدين, وهذا النهج مستمر وسيكون معوق حقيقي ودائم أمام الحلم الكبير.
اعتقد كان على الساسة في العراق وسوريا, المحاولة لفتح حوارات ايجابية مع السعودية وقطر, وتحقيق تفاهمات تنهي حالة الحرب المستمرة منذ سنوات, فالسلام ممكن أن يتحقق عبر حزمة مصالح, والجلوس في مفاوضات حقيقية, وفهم وأدراك لمطالب الأخر, لكن العداء المعلن كردة فعل لنهج السعودية وقطر, وسياسة التصريحات الإعلامية والحرب الكلامية, لم تنفع العراق وسوريا, بل زادت من أحزانهما.

●الموقف الإسرائيلي الخفي
منذ وعد بلفور في بدايات القرن الماضي, والحرب مشتعلة بين العرب واليهود, وكانت مواقف إسرائيل دوما ضد إي سعي لنهضة عربية وخصوصا العراق وسوريا ومصر, لكن الغريب في السنوات الخمس الأخيرة كان صوت إسرائيل ضعيفا, فهل يعني أنها اتجهت للسلم؟
الحقيقة أن هنالك من يقوم بما تريده إسرائيل, وهو الشروع بتدمير العراق وسوريا ومصر, فالعصابات التكفيرية المدعومة إقليما من دول معروفة, قد فعل أكثر مما فعلته إسرائيل طيلة حروبها مع العرب, ولهذا اتجهت للصمت, مع أن هنالك كلام كثير وتسريبات إعلامية عن دور إسرائيلي سري, ودعم غير مباشر لهذه الجماعات التكفيرية التي تحارب في العراق وسوريا, أي أنها حربها ضد العرب لم تتوقف.
إسرائيل تعارض أي نهضة حقيقية للعراق وسوريا, وكل المصائب التي جرت على البلدين, كانت لإسرائيل يد فيها, فإسرائيل احد العوامل الخطيرة أمام شعوب المنطقة, لذا يعتبر الحلم صعب تحققه مع وجود كيان خطير كإسرائيل, يعلن العداء ويستمر في نهجه المسموم.

●موافقة الدول العظمى
المشروع كبير ويهم الدول الكبرى, لذا الحصول على موافقة هذه الدول أمر يجعل الأمور متيسرة, لكن كان سلوك الساسة في العراق وسوريا, في تصعيد مستمر ضد أمريكا, فالفكرة لن تتحقق مع استمرار النهج المعادي لأمريكا, لأنها ستبذل كل جهودها لمنع تحققها, وما يجري اليوم في سوريا فان بعض أسبابه, فقط لان سوريا رفضت المشروع القطري لنقل الغاز عبر أراضيها, ووافقت على المشروع الإيراني لنقل الغاز عبر أراضيها, مما دفع دول كبرى للسكوت أمام دخول الإرهابيين لسوريا, وعمليات التدمير الوحشية التي مارسها الإرهابيين, بل أخذت صبغة عالمية بان ما يجري في سوريا هو ثورة ضد الدكتاتورية.
المشاريع الكبرى تحتاج قادة حكماء, يفهمون طبيعة النظام العالمي, ويعرفون الطريق لكسب ألأحلام, ويخططون لكيفية كسب قضايا الوطن, عبر سياسة الاحترام المتبادل, والشراكة في المشاريع الاقتصادية, والدعم المتبادل, فالعداء يجر الويلات ولا يكسب حق ضائع, وألان الحال السوري السيء يوضح نتائج سياسته, لذا سيكون مشروعا مؤجلا إلى أن تحصل تغييرات في سياسة ومنهج البلدين اتجاه الدول العظمى.

●الثمرة
الفكرة كبيرة جدا وتصل إلى حد الخيال, وهي ممكنة التحقق لكن بشروط, وهي:
الأول: استقرار البلدين وسيادة القانون.
ثانيا: انتهاج سياسة داخلية حكيمة للبلدين.
ثالثا: تحقيق وحدة سياسية اقتصادية بين البلدين.
رابعا: تغيير السياسة الخارجية بما يخدم مصالح البلدين.
عسى أن يكون ذلك اليوم قريبا.

About اسعد عبد الله عبد علي

اسعد عبدالله عبدعلي اسعد عبد الله عبد علي مواليد بغداد 1975 بكلوريوس محاسبة كاتب وأعلامي عضو المركز العراقي لحرية الأعلام عضو الرابطة الوطنية للمحللين السياسيين عضو النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين موبايل/ 07702767005 أيميل/ assad_assa@ymail.com
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.