الراحلون

أيها الراحل بعيداً إني أعلم أن رسالتي ستصلك.فليس في الأرض زوايا تحجب الكلمة.و لا كل جبال الأرض تخفي الحقيقة.فهذه رسالتي إليك إقرأها متي شئت .إفتح قلبك كلما حادثك الروح. كل رموزها مفتوحة قدامك و الحب يغمرها ليجد طريقه إليك.
أيها الراحلون عن أرضنا.كيف صارت السماء موطنكم.كيف طرتم فوق السحب و حملكم الروح حتي أدركتم و نلتم الميراث.هل صارعتم الأرواح الشريرة في الهواء.هل راودتكم أفكاراً مخيفة عن النهاية.هل كنتم مطمئنون و أنتم ترون السماء تقترب و تقترب كأنه حلم.كيف يكون ما لم يخطر علي بال و ما لم تنظره عين أو تسمع به أذن؟ كيف ينتقل الكيان من الترابي إلي السماوي؟ كيف يرتقى الفكر فوق كل القمم الشامخة.رسالتى إلي أرواحكم تسأل أيها الراحلون في صمت. كيف رأيتم الروح يقود إلى ما فوق السحب.كيف يتشكل المصير إذا النعمة صنعته في ما بين الأرض و السماء.كيف تغتسل الروح من سهواتها و النفس من شهواتها و الأفكار من هفواتها.كيف تلبسون ثوب العرس قبل الوليمة.
أيها الراحل من بين الناس ما سرك؟ كيف هكذا صار أمرك. إختفى الناس من فوق الجبل و بقى وحده المسيح قدامك.كيف إنفطمت عن الجميع و غلبت جاذبية الأرض و رحلت.كيف يصبح الحب أقوى من النار و أغزر من السيول؟ كيف يبيع الراحلون كل شيء بغير ندم.كيف يصير الصليب شهوة و الموت عن العالم نعمة و ضياع كل شيء ربحاً.متى سمعت الصوت القائل إتبعني؟ هل كان في الصوت قوة جعلت الإستغناء عن الأشياء مثل الماء ينساب من بين الأصابع. هل كان الصوت غالب لكل ما في داخلك؟ هل إنهمر على القلب ثقلاً دفعك إلي الخروج و الرحيل.هل أخبرك الصوت أن الحقل الذي في وسطه الكنز ينتظرك هناك في البرية فذهبت تحفر بيديك عملاً و بقلبك صلاة و بمشاعرك هذيذاً حتي وجدت الكنز و وجدك فأمسكته و لم ترخه.أيها الراحل نحو الصمت من أجل الكلمة, نحو الصلب من أجل المصلوب,الذى إختار الفقر من أجل الغنى و الموت من أجل الحياة الأبدية.ايها الراحل متى تتكلم.متى ندرك كما أدركت أن الغلبة للحب.
أيها الراحل تاركاَ مسئولياتك ..كيف تترك الخراف و ترعى الذئاب. كيف تغادر الأبوة أباً و الأمومة أماً.كيف تجرأت أن تجلس فوق الناس لا تحت أقدامهم مثل معلمك.كيف هان عليك موت النفوس كأنها ليست من يدك تُطلب؟ أيها الخادم النائم من يسهر على أسوار أورشليم إذن؟ يا من إكتفيت بالكهنوت وظيفة و بالخدمة إسماً و بالكلام صلاة و بالمظاهر نشاطاً متي تفيق و تعمل بالروح لا بالجسد.فكل ما تصنع الآن مولوداً ميتاً كالسقط فهل تخدم الموت أم الحياة.كيف تهمل ينبوعك و تترك المخدومين عطاشي.متى ترجع إلي محبتك الأولى و تنتفض ملتهباً لخلاص النفوس.متي تسترد غيرتك على أبديتهم و شركتك مع السيد و المعلم.حين تفيق من غفلتك ستعود بك نفوس الذين رحلوا مثلك و هجروا الحب.إبك بكاءاً مراً كى تعود كما بدأت.فحنان مسيحنا فوق كل بُعاد.
أيها الراحل إلي كورة بعيدة هل أضناك الحب؟ إلي الفقر و العرى و الجوع تعجلت فهل أجهدك الوفاء حتي تمضي؟هل صدقت الوعود البعيدة و كذبت وعود الحبيب الألصق من الأخ؟ ايها الراحل بعيداً أنظر من في إنتظار سقوطك في الهوة؟ أصوات الهزيمة تتعالى عليك و بكاء من بعيد كمن ينوح على أمه فكيف رحلت؟ ليس الأصدقاء هناك أصدقاء.و لا الشركاء هناك شركاء.بل هم ينتظرون التضحية بك كغنيمة.إذا تعريت يفترسونك بلا شفقة حين يتذوقون لحمك رخيصاً.إذا ذهبت فهم ليسوا في إستقبالك و إذا مضيت فهم ليسوا في وداعك. يستثمرون مالك و يأخذون لأنفسهم الأرباح دونك. ولما تسألهم يراوغونك و إذا طالبتهم يطاردونك.أيها الراحل إليهم لماذا تسلم نفسك للذئب فريسة.لماذا تصدقهم و كل وعودهم زائفة.ينهبون نفساً خائفة فلماذا إلي الخوف ترحل.أيها الراحل إلي هناك ,هناك راقب الأيام و أعلم أن في عودتك حضن بإنتظارك و وعد بإنتصارك و حب حتى في إحتضارك.أيها الراحل لا تيأس فأبوك هنا يسمن العجل و ينتظر الذبيحة لأجلك.كلنا هنا سنعيش حين ترجع لأن الحب سينتعش مهما بدا أنه يخبو. في إنتظارك أفراح الوليمة و أمجاد البنوة و أعاجيب العودة فلا تحمل هماً في رجوعك.لا تجهز كلاماً لتقوله فكل ما فى داخلك مسموع.لن يلومك أحد فعُد.الحب سيغلب الحزن كله. العرس هنا و خاتم الملك في يد أبيك ينتظر أصبعك الرقيقة.و ثوب الوليمة مصنوع بدقة و مفصل و لائقٌ عليك لأن أبوك يعرف كل أبعادك بالتمام كأنك لم تغب عن عينيه لحظة و الأمر حقاً هكذا..لن يسألك أحد لماذا رحلت لأنه برجوعك يبتهج أبوك الحنون. هنا حضن أبيك و عناق أبيك و وليمة أبيك فإطمئن. أكتب إليك كشاهد على الحب و أعرف الذين عادوا إذ لم يلومهم قط. عُد فنحن بدونك ناقصون ,أعضاءنا مبتورة فإرجع كي نكتمل.أيها الراحل بعيداً أنت تفهم كل أسرار البيت و تعلم أين يوجد الكنز لقد قال أبوك قدام الجميع كل ما لى هو لك و كان يقصد الجميع أيضاً .
إليك أنا راحل
إليك ترحل نفسي يا قدوس.تنخلع من الأرض و تلتصق بك.تمض إشتياقاتى هناك حيث أنت.أًرحل من كل شيء من كل أحدٍ حتي من نفسي أرحل لأسجد عند قدميك مثل ميت فتحييني.أنا قادم إليك من أرض ممتلئة بالأشواك و أنت تلحظ جراحاتي أيها الطبيب الشافى.آتٍ إليك هارباً من ضعفى و تخاذلى و كثرة سقطاتى.ليس في جرابى شيئاً فأنا خال الوفاض.بعثرت كنزى و بددت معيشتى و ها أنا راحل من هذا كله فإستقبلنى بالعناق فأنا إلي صدرك أحن. منذ شبابى و أنا خارجاً أنتحب.آتيك بدموعى فتمسح عيني بنورك.أرحل إليك فارغاً لتملأنى.أهجر الأرض منهزماً لتنصرنى.فأقوى الغالبين أنت و أعظم المحبين أنت و أثمن الكنوز أنت فإليك أهجر الدنيا.
في قلبي آخذ الراحلين إلي الكورة البعيدة.أضع نفوسهم قدامك معي.فإصنع لهم نفس ما تصنع من مراحم لى.و كما تباركني باركهم.فنحن قادمون من بعيد إليك.خسرنا ما أعطيتنا لكن ما عندك لنا أكثر مما تبدد.هؤلاء الملتفين حولى من الكورة البعيدة هم أثمن النفوس و أغلى الناس عندك و عندى لهذا إرتحلنا إليك معاً لنضع أوزارنا عند قدميك و نسترح فيك.قادمون نحن والتراب يعفر رؤوسنا و يغشى أبصارنا لكننا لا بأعيننا المغلقة و لا بقلوبنا المقفلة بل بروحك نهتدى ,.نحن راحلون كالمجوس صوبك و نجمك يعرف الطريق. نجئ لمن جاء إلينا في الجسد.نحن قادمون إليك من الشرق و من الغرب قادمون.ليس بيننا من يعرف الطريق لهذا أتينا إليك.ليس بيننا بار لذلك رحلت النفس عندك.كل الأشواق ضاعت و الآن إنطلقت الأشواق لتشتهيك فهذا أفضل جداً.
في قلبي حنين إلي الذين سبقوا فرحلوا إليك. عندك الأكاليل وفيرة و لنا فيك مثلهم نصيب .لذلك قبل أن تضع فأسك على اصل الشجرة نرحل إليك متوسلين أن تثمر فينا أولاً .نهرب متوسمين في دمك أنه مثل الأبرار تكون عشرتنا معك.و يسطع فى الأرض نورك حتى يخطف الأبصار إلي فوق.و الأفكار إلى سماءك و تستقبل القلوب بفرحٍ حُبكَ المسكوب.
#Oliver_the_writer

About Oliver

كاتب مصري قبطي
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.