من صابرين … الى السوريين.

صابرين دياب مناضلة فلسطينية تقارع الإحتلال دون هوادة وقد كانت من أوائل المتألمين لما جرى ويجري في سورية.

كتبت عام 2012 مقالاً، شعرت أنَّ من واجبي نقله، أعربت فيه عن إيمانها بالثورة السورية السلمية ورفضها لاستخدام السلاح ضد الدولة والذي سيؤدي إلى خطر تقسيم سورية وتهشيم دورها العربي والفلسطيني خدمةً للمصالح الصهيونية.
أدعوكم لقراءة مقاطع اخترتها بتصرف من مقالها لأنه يعبر عن القلق على القضية الفلسطينية، ورغم الإختلاف الذي سيسببه إلا أنه ينبع من نفس وطنية فلسطينية ومحبة لسورية.

نحن يا صابرين على العهد مهما إختلفنا كسوريين على طريقة بناء الوطن السوري، فبوصلتنا ستبقى دائماً فلسطين …

/… المقال

اسئلة فلسطينية على هامش الثورة السورية المسلحة المفتعلة…
– مقاطع منقولة بتصرف من مقال كتبته ‘صابرين دياب’-

في السياسة سؤال واجب على اي محلل، ذلك ان النقاش البراجماتي ضروري لاستكمال كل سياق، ومن حقي كفلسطينية وواجبي في تحديد قربي وبعدي عن اي متغير من حول فلسطين طالما ان التبشير بزوال العروبة وحلول العصبية المذهبية مكانها هو ما يلوح في افاق صتّاع الخريف العربي. وثمة نسبة لا يستهان بها من البراجماتيين لا يقيمون اعتبارا ولا وزنا للعروبة ويهزؤون منها فالفلسطيني مطالب ان يحدد موقفه من موقع فلسطين في اي حدث او تغيير فكيف عندما يكون بحجم تغيير موقع سوريا! اليس من حقنا النظر الى المشهد الجيوسياسي الذي سينشأ عن سقوط الدولة السورية وثوابتها!

الى من يقولون ان عليهم التخلص من النظام السوري وتحقيق حريتهم اولا وطالما انهم يعترفون بان بناء سورية التي يريدون يجب ان يمر بتغييرين اساسيين اولهما تعريض وحدة الكيان السوري للخطر وثانيهما استيلاد سورية جديدة تحت الوصاية الغربية والرجعية، فهل من يبلغناعن اي شرق اوسط سنتحدث بعد انتصار “ثورتهم” في سورية وعن مكانة “اسرائيل” فيه وعن مكانة العصبيات الطائفية في بناء دويلات اواسرائيلات جديدة في المنطقة ! وما هو السبب الذي يجب ان يجعلني كفلسطينية أقف معهم!! فبالامس القريب أعربت وزيرة خارجية واشنطن عن قرفها من موقف الصين وروسيا وكذلك عبّر الفرنسي ألان جوبيه، والالماني والبريطاني وبقية “شلة” الاطلسي. وازاء ذاك التعبير فاننا نحن الفلسطينيون نعبّر عن قرفنا المضاعف -عذرا على التعبير – واحتقارنا الشديد من ذلكم القطب الامبريالي المتملّق، فأياديهم ملطخة بالدم الفلسطيني والافغاني والعراقي والليبي واللبناني، ومن الجامعة العربية وقراراتها المخزية، الجامعة التي وضعت كل إمكانياتها في خدمة واشنطن وتل ابيب والناتو، وليتها “على سبيل القهقهة”على الأقل قايضت وقالت: ازاء هذه الخدمات الكبيرة والدسمة التي انعدم مثيلها في التاريخ القومي العربي، نفذوا بعض قرارات الأمم المتحدة بخصوص فلسطين، بعد عشرين عاما من الضحك على الذقون او من المفاوضات العبثية، فعلا ليس عجبا!

واشنطن استخدمت حق النقض مرات تلو مرات ضد إدانة الدولة العبرية وحتى عند مطالبتها فقط بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ترى أين مراصد حقوق الإنسان وهذا “العالم المتحضّر” من جرائم دولة الاحتلال ضد الشعب العربي الفلسطيني تحت سطوة المحتل الاسرائيلي المجرم! وإن كان السؤال التالي استنكاريا ايضا بيد ان تسجيله لا بد منه : لماذا لا تتقزز وزيرة خارجية البيت الابيض من ممارسات الدولة العبرية النازية ؟ ولماذا لم تتأثر حضارة ألان جوبيه وتمسكه بحقوق الإنسان ؟ وماذا عن “صديقة العرب” التقليدية بريطانيا! ماذا نتج عن صداقتها للعرب سوى المصائب و وعد بلفور وسايكس بيكو الاولى، والعدوان الثلاثي، وإجهاض ثورة وإضراب الشعب العربي الفلسطيني سنة 1936- 1939، وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين! وها هم يجددون روحهم الاستعمارية و يعملون على اجهاض القضية الفلسطينية على ارض الشام. الاستعمار والصهيونية لا يغيّران اليوم حتى جلدهما.

ثمة معارضة وطنية شريفة في الجمهورية العربية السورية تطالب بإصلاحات جذرية في الدولة السورية وهذا واجبها وليس فقط حقها، وازاء هذا هناك حركة تمرد إجرامية مموّلة ومسلّحة من أعدى أعداء الإنسانية والشعوب العربية من عربان وأجانب، تعتدي وتنشر الموت والارهاب وتمنع أي إصلاح. وسائل اعلام غربية كالتلفزيون الالماني والاسباني وصحف دولية تحدثوا وأكدوا ان المتمردين خرّبوا مئات المدارس في شمال سورية على وجه الخصوص، واعتدوا على مؤسسات الدولة، وفجّروا أماكن عامة، وخطوط غاز وشبكات كهرباء وريّ زراعية، ويخطفون ثم يقتلون المخطوفين. كل ذلك واكثر على ارض الواقع لإغراق سورية في الفوضى وفي أزمة اقتصادية تخنق شعبها لاسيما الطبقة الوسطى، ولا يجدون حرجا في الدعوة علنا إلى التدخل الخارجي في وطنهم بضغط وتمويل هذا المتدخل الخارجي الذي أجرم في فلسطين وليبيا والعراق ولبنان. هؤلاء المخططون والموجهون المجرمون هم الذين يضعون مقاييس النظام ان كان صالحًا أو لا، دون اكتراث بالمصلحة الوطنية العليا للبلد المستهدف ومصالح الشعوب، انما يُفَصِّلونه خدمة لمصالحهم الانتهازية تحت كنف الديمقراطية وحقوق الانسان. إن هذه الديمقراطية التي يزعمون انتاجها تناسبهم كما يناسب السّرج النعجة.

إن بعض ذوي المواقف المضلِّلة والمجازفة والعاجّة بالوصولية والانتهازية وقصر النظر لا يدهشوننا أبدًا ونحن نراهم اليوم مصطفين بين حلف الاطلسي والصهيونية بمختلف مسمّياتهم، حتى تنظيم القاعدة الذي انضم الى القطيع في صفٍ واحد لإسقاط النظام السوري وتفصيل نظام الموالاة، ولا يستحون حين يتحدثون عن ارادة الشعب السوري، الارادة التي تتجلى في ميادين الوطن انتصارا للاصلاح. ولا بد من تدوين سؤال استنكاري جديد:لما كل هذا الانهراق من القوى الخارجية لإسقاط الدولة ورفض بل ومنع أي إصلاح! وهؤلاء يعلمون يقينا باْن الدكتاتور المقاوم للاحتلال والاستعمار اقل خطرا من الديمقراطي المُحتل والمُسْتَعمر والعميل. ويأتي من يقول لنا أليس هناك من خيار ثالث! وكأنما الخيارات معروضة في السوق! ونقوم بانتقاء ما يطيب لنا منها! هل من تقدمي بامكانه ان يخبرنا عن طبيعة منظومة الحريات الشخصية والثقافية والاجتماعية والدينية وحجم التعددية التي سيتسع لها شرقنا الجديد تحت الرعاية الجديدة! هل إعلام حر حول الاخرين لكن ليس عن البلاد التي يخرج منها وعن مجتمعاتها. الدستور يجب ان يكون له نموذج، من اين ستأتون بالنموذج! وليس من دولة عربية واحدة داعمة للتمرد المسلح لها دستور! ومن اين ستنسخون قانونا للانتخابات،وليس في تلك الدول برلمانات! ام على الامة ان تتنظر رضا الحاكم وسماحته وكرم اخلاقه، حتى يتمنن على شعبه بدستور وانتخابات فننسخ! ثم اي صورة للشرق المقبل تتاسس من الجواب على سؤال بعد نصف قرن موزع بين نصفين،الاول، صعود الدولة العبرية ونذر تصفية القضية الفلسطينية والثاني هو انتكاس عصر الصعود الاسرائيلي وعودة الحديث عن ازمة وجود الكيان. هل ستدخلنا الثورات العربية بنموذجها السوري عصر استرداد “اسرائيل” لمكانتها والخروج من ازمتها بتصديرها الينا تفتيتا وتبعية، ام ستكون الثورات فال خير بتصعيد ازمة وجود الكيان وعودة فلسطين قضية العرب المركزية! هل سيكون الفكر القومي واجب كل عربي وتحرري، ألسنا ازاء تكرار نموذج للثورة العربية الكبرى! شعوب ومقاتلين وتضحيات وشباب وهجاء، وقضية محقة عنوانها التحرر من العثماني، واذ بنا نفيق على سايكس بيكو ووعد بلفور واغتصاب فلسطين! لقد دفعنا ثمن خروج الاتراك ضياعا لأمتنا وقضيتنا فهل ندفع ثمن عودتهم هم واصدقاؤهم ضياعا اشد قسوة!

الولايات المتحدة ليست من “المهابيل” إلى حد تقرير اسقاط نظام لان يحل مكانه نظام اكثر تقدمية واستقلالية، ها هو العراق و تشيلي نموذجان صارخان، وهذا ما تحلم به في الشام، والولايات المتحدة تلجم الان مصالح الشعب المصري التونسي والليبي. ومما يدعو الى الاسف والاحساس بالعار أنه في الظروف العادية كان آخرون على مستوى الأحزاب والأفراد يهللون للعديد من هذه الأنظمة، وفي ظروف التآمر الخطير ينضمّون إلى جوقة النذالة والتاْتاْة! لكني أقول إنَّ عز سورية ومجدها ابقى منهم واعظم.

…/انتهى المقال

About سامي خيمي

سامي خيمي *سفير سوريا لدي بريطانيا, دكتور مهندس بمركز الابحاث العلمية واستاذ بقسم الهندسة الاكترونية جامعة دمشق
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.