السائق الحمار الذي أدخل سوريا في الحيط:

ولازال الحمار يقود بمشيئة صاحب الحمار الذي سلمه القيادة.
Sami Ahmed :
السائق الحمار الذي أدخل سوريا في الحيط:
مقال مهم
إثنان في سيارة مسرعة، يقول الأول: “انتبه.. في حيط”، يجيب الثاني: “شايفه”، بعد لحظات يكرر الأول بعصبية: “يا زلمة!! عم بقلك في حيط.. حيط قدامنا”، الثاني: “شايف.. والله شايف”، تستمر السيارة بسرعة جنونية فيصيح الأول: “لك يخرب بيتك الحيط.. الحييط.. الحيــــــ”.. بوووووم.
حادث فظيع، تتحطم السيارة، ولا تبقى ولا عظمة صاغ في جسد الراكبين، يعودان إلى الوعي وهما في سيارة الإسعاف فيقول الأول بغضب ولكن بصوت منهنه: “يا حيوان، ما قلتلك في حيط”، يجيب الثاني بدهشة: “ليش مين عم يقود السيارة!! أنا.. ولا إنت”
هذه الطرفة يفترض أن تجعلنا نضحك من غباء السائق.. لكنها اليوم تتكرر أمام أعيننا بشكل مفجع ونحن نتجه بشكل جنوني إلى حادث فظيع قد يودي بمستقبل سورية، وأتذكرها كل مرة يناقشني فيها أحد أصدقائي من الموالاة، أو يظهر على التلفزيون أحد أزلام النظام ليصيح فينا ببصيرة ثاقبة: “انتبهوا.. مؤامرة.. مؤامرة”. وكأننا نحن في موقع القيادة وليس النظام القائم!
وهنا يبدأ خلط الأوراق
لقد احتكر النظام “القيادة” منذ زمن طويل، بكل مفرداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وبكل مفاصلها التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية، فصار المسؤول الأول والأخير عن مصائرنا، وأصبحنا نحن كشعب لا نملك أي تأثير مهما كان على قرارات “القيادة”، يمكننا فقط أن نؤيد، ومؤخراً أن نعارض، ويمكننا كجمهور مؤيدين ومعارضين أن نتشاجر، أو حتى نقتل بعضنا بعضاً، لكن ذلك لن يغير حتمية الحادث القادم لأننا جميعاً ركاب، فالمعارضة لم تتمكن من ثني النظام عن سياساته المتخشّبة، أما الموالاة فمصيبتهم أكبر، فهم يؤمنون أن لدينا (مايكل شوماخر) خلف المقود، وأنه سيتمكن في اللحظة الحاسمة من اجتراع معجزة وتفادي الكارثة بمهارة لم تشهدها حلبات التاريخ، ولذلك تراهم يشجعون ويهللون بحماسة غير مفهومة بعد أن أقنعهم النظام بأنه قوي بما يكفي لاختراق جدار المؤامرة وتحطيمه بقوة الدفع الذاتي ودون أن تصاب سورية بخدش!!
وهذا خلط ثاني للأوراق
إن الصراخ المستمر عن المؤامرة لن يغير أي شيئ على أرض الواقع، فماذا يتوقع طالب ابراهيم مثلاً من الشعب “الوفي”، أن يُقنع الجدار بأن (يزيح) جانباً!! المصالح الامبريالية الصهيونية هي من ثوابت الطريق وليس لنا أي سلطان عليها، اللهم إلا إذا قمنا بدس حبوب هلوسة في إبريق حزب الشاي الأمريكي لجعل فيلدمان وعصابته يتهافتون للانتساب إلى حزب البعث، هذا الصراخ له هدف واحد، وهو استغلال لحظة الرعب هذه لتشويش الموالاة وإقناعهم بأن المعارضين الجالسين في المقعد الخلفي هم المسؤولون بشكل أو بآخر عن الحادث.. لأنهم يتجاهلون دور الجدار، فننقسم وننشغل بهذا الجدل العبثي ونترك القيادة للقائد، علماً أنها له في الأصل..
والمزيد من خلط الأوراق
لقد حاول العقلاء في هذا السيناريو المبعثر أن يترفعوا عن شِجار (الانفعاليين) هذا، بالتوجه إلى الشخص الوحيد صاحب القدرة الفعلية على تقرير المصائر، فذهب بعضهم إلى النظام لإقناعه بالعدول عن الحل العسكري الأمني المنفلت قانونياً وإنسانياً، والانعطاف يميناً أو يساراً عن هذا المسار حتى يصل بنا إلى برّ الأمان، عُقلاء من أمثال الدكتور الطيب تيزيني، الذي انتخبه العالم (دون أن يعرفه معظم السوريين) واحداً من أهم مئة فيلسوف في القرن العشرين، ذهب هذا العقل الكبير إلى اللقاء التشاوري وانخرط في الحوار، وشرح للنظام عواقب هذه القيادة المتهورة وطبيعة الشارع وحيثيات السباق، لكنه وصل بعد ستة أشهر إلى طريق مسدود، فصرّح مؤخراً: “لم يعد أمام النظام إلا أن يتنحى ويترك الفرصة لغيره من دعاة الإصلاح كي ينقذوا ما يمكن انقاذه، حتى لا تنهار سورية وتضيع في حالة من التدخلات الأجنبية أو التفكيك… فالنظام لم يعد يريد الإصلاح ولا هو قادر عليه، وقد استنفذ كل الفرص المتاحة له”. ولكن مالذي يفسر هذا التهوّر والعناد؟ أليس الافتراض بأن النظام يُتابع قدماً وهو على علم مسبق ووعي كامل بالكارثة فيه شيئ من اللامعقولية؟ وكما قالها صديق: “يعني هو بيعرف كيف يوصلنا لبر الأمان.. وما بدو!! شو هالحكي؟”، والجواب البسيط والمؤلم لهذه المفارقة هو أن برَّ الأمان للرُكاب، هو ليس بالضرورة برُّ أمانٍ للسائق
إن أصل الأزمة – شاء من شاء وأبى من أبى – هو استئثار أقلية بالسلطة والثروة بينما تعاني الأغلبية من التهميش والفقر، وهذا الهرم المقلوب لم يعد بإمكانه الاستقرار على رأسه، خاصةً وقد رأى الناس بسبب ثورة التواصل والمعلومات هذا الأوتستراد العريض والمُضاء الذي تنطلق فيه معظم شعوب العالم بيسر وأمان، فبدأوا يتساءلون لماذا لانزال نحن على هذا الطريق المهجور والوعر، وأنا لا أعني هنا الممانعة والمقاومة، فهذه أهداف، وجهة، التساؤل هو عن الطريق، طريق سلطة الحزب الواحد والقائد الواحد وإلى الأبد، وفي الفرق بين الإثنين (وجهة الممانعة وطريق الدكتاتورية) نجد
المزيد من خلط الأوراق
لقد طالب رُكاب المقاعد الخلفية بحقهم الطبيعي في اختيار الطريق، أو الوجهة، أو على الأقل السرعة، وهذا حقٌ لهم حتى لو لم يعترض ركاب المقاعد الأمامية، والمصيبة أن النظام اعترف فوراً بضرورة الإصلاح عسىاه يحافظ على مقعده، وفي هذا اعترافٌ منه بأنه كان يقودنا كل هذا الوقت في الاتجاه الخطأ!! وأن (المفرق) نحو دولة ديمقراطية حديثة قد فاتنا منذ عشر سنوات، وربما عشرون، وادعاء النظام بأنه سيدور (يو تيرن) ليعود بنا عشر سنوات على نفس الطريق المهجور استدعى فوراً السؤال عن أحقية نفس النظام بالاستمرار في القيادة بعد أن اعترف هو نفسه بفشله، ثم أدرك الجميع أن أي تغيير ديمقراطي سيبدأ بالتشكيك في شرعية السائق وينتهي بمساءلته عن سنوات الفساد والإفساد
هذا الاستحقاق لا مهرب منه، ولأن النظام استوعب ذلك تماماً، فقد قرر المضي قدماً وبسرعة أكبر نحو الجدار، في رهان مجنون لجعلنا نلتصق بمقاعدنا رعباً ونصمت.. أو نصرخ على بعضنا في محاولات يائسة لفرز الأوراق
لكل من يقول: “اخرسوا وخلّوه يسوق”.. نُجيب: “هو اللي عم يسوق من الأول”، لكننا نطمئنكم أن الحيط لن يتزحزح.. وأن مهارات النظام لا تتعدى..
……..خلط الأوراق

About عمر الحبال

عمر الحبال
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.