مسرح الجريمة العظمى

مسرح قتل السفير الروسى في أنقرة هو مسرح الجريمة العظمى الذي لن يتوقف البحث فيه و تحليله طوال شهور و ربما سنوات و سيشهد خلالها إختفاء شخصيات وإغتيال شخصيات و إنحلال دول و منظمات و تعملق روسى على الساحة.
المسرح
معرض للصور و الفن الروسى كان في أنقرة الجزء الأوروبى من تركيا.و روسيا من الدول التي لديها الفن التشكيلي و الأدب و الأفلام و الإعلام و الثقافة و هذه القوى الناعمة المؤثرة جداً أدوات تستخدمها روسيا بمنهج علمي مدروس للوصول إلى فئات محددة وسط الشعوب لتكون بمثابة ظهير مؤيد لها و داعما للتعاون الإقتصادي و العسكري و هذا هو الهدف الأهم لصناعة الأصدقاء بطريقة روسيا .من هنا نفهم حرص السفير الروسى على حضور هذا المعرض و إلقاء كلمة بعنوان (روسيا في عيون الأتراك) بدأ كلمته بنفسه و إستكملها القاتل بمسدسه.و هكذا وضح للجميع ما هي روسيا في عيون الأتراك ليس بالكلمة وحدها بل بالرصاص.كان القاتل يقف علي المسرح بجوار السفير و قدامه نفس ميكروفون مثل الذي يتحدث فيه السفير. و هنا يتبادر بسرعة إلي الذهن أسئلة كثيرة. ما سر وجود مايك آخر قدام القاتل؟ ما الذى أوصله ليكون بجوار السفير كأنه مسئول علي نفس مستوي السفير ممثلا لتركيا؟ هل كان القاتل مكلفا بحراسة السفير أو هكذا ظن السفير ؟ لكن بعد القتل أدركنا سر المايك الثاني قدام القاتل حين ألقي القاتل خطابه و هو متماسك للغاية علي المسرح.
مشهد خلفى: بعيدا عن أنقرة في نفس الساعة فى طرابزون شمال تركيا كان مشهداً في الخلفية و هو إجتماع بين تميم أمير قطر و أردوغان في لقاء ثنائي مغلق قيل بعده أن الدولتان إتفقتا على توقيع 15 إتفاقية تعاون.و ما دامت قطر تتفق علي مشروعات فهي رشوة سياسية لتحقيق أهداف تتفق مع منهج تركيا الإبتزازى المتحد مع الإرهاب.
القاتل
إن دخول القاتل المعرض حاملاً سلاحاً ينبأ بأن دخوله لم يكن خلسة و لا ضد القانون فالأغلب أنه كان مكلفاً بمهمة بوليسية رسمية للتغطية علي المهمة الحقيقية و هي قتل السفير.
وجود القاتل منفرداً بهذا القرب من السفير يشير إلي ترتيب مقصود و تسهيل متعمد لإخلاء المسرح من الجميع إلا من القاتل و المقتول.طوال الوقت .
القاتل كان يرتدى زياً رسمياً يرتديه قوات المخابرات في كافة الدول و هي البدلة السوداء التي توحي بأن الرجل ذو حيثية تؤهله للوقوف علي خشبة المسرح الرئيسية.
كان القاتل مخفيا لسلاحه في جنبه كما يفعل أي عنصر مخابراتي مما يشير أنه لم يحتاج لإخفاء سلاحه لأن المهمة الشكلية التي دخل بها إلي المعرض تسمح له بحمل السلاح مكشوفاً هكذا.
القاتل لم يستهدف أحد إلا السفير و كان يملك أن يقتل الجميع .لمدة دقيقتين لم يعارضه أحد بعد مصرع السفير.و هذا عمل إحترافى بحت.
القاتل إحتفظ بأعصابه قبل الجريمة و لم يبدو عليه أي توتر قبل إرتكاب جريمته مما يسمح بالتفكير بأن هذا الرجل سبق له إغتيال ضحايا آخرين ربما لم يكونوا بنفس شهرة السفير الروسى. و أيضاً بعد الجريمة ظل متماسكاً بطريقة تؤكد إحترافيته مما يؤكد قطعياً أنه عنصر مخابراتي مدرب و ليس داعشي مطلقاً.
لم يحاول القاتل الفرار مطلقاً بل بقي علي المسرح منتظراً شيئاً ما متفق عليه.
خطاب القاتل و رسائل إلي المخططين و الممولين
الدواعش يبدأون بصيحات الجهاد و التكبير ثم يقتلون أما في هذه الجريمة فقد بدأ القاتل بالقتل أولاً ثم ألقي بصيحات التكبير بعد ذلك .من الغريب أنه بدأ خطابه بعد إطلاق رصاصتين مباشرتين في صدر السفير و لم ينتظر و لو ثانية واحدة ليستجمع أفكاره فهو يعرف ماذا يفعل و ماذا سيحدث بعد ذلك و ماذا سيقول و كيف سينتهي الأمر و متى .تخيل قاتلاً يخطب بكفاءة بعد قتل سفير منطرحاً بجواره و قدامه صرخات قليلة من الحاضرين .
بدأ القاتل بتكرار عبارة الله أكبر مرتين لكي يعطي لداعش نصيبها في الجريمة.التي لا أراها جريمة جهادية بل جريمة سياسية أراد المخططون أن ينفذونها ثم يقدمونها هدية إلي داعش حتى يبعدون الأنظار عنهم.و في نفس تبدو داعش كأن لها هذا المستوى من التخطيط و الكفاءة مما يؤهلها لمزيد من التمويل الخليجي و المكرمات الملكية السعودية.
– رسالته إلي السعودية: نحن الذين بايعوا محمد على الجهاد: من هم (نحن) التي قالها القاتل؟ الإجابة السعودية.لأن الجهاد و المبايعة مصطلحات وهابية الأصل.و لا توجد لها ممارسة غير في السعودية. و نحن : لا تنطبق علي القاتل بل علي المشارك في التمويل .
نلاحظ أن القاتل يتكلم حتي الآن باللغة العربية مما يشير إلي معايشته في مكان عربي وقتاً غير قصير .ربما إشتري من هناك بدلته الأنيقة التي لا تتفق مع لغته و فعلته غير الأنيقة. فهو يرتدي زياً حديثاً و ينتهج سلوكاً غارقاً في الجاهلية
رسالة من المخابرات التركية : بعد ذلك تحول للكلام باللغة التركية. لماذا؟ لأنه يريد أن يعبر عن جميع الأطراف المشاركة في الجريمة و يخاطبهم جميعاً في خطابه الجهورى المحفوظ و المرتب له بكل دقة .فالقاتل لم يكن يفكر في إستجماع الكلمات أو ترتيب الأفكار.لقد كان خطابه محفوظاً و معداً مسبقاً.لهذا تكلم بالتركية ليقول ما حيينا الساعة هو لا يتكلم عن نفسه لأنه يستخدم صيغة الجمع .هنا الكلام بالتركية رسالة من المخابرات التركية إلي المخابرات الأم التي صنعت هؤلاء الإرهابيين.يقول فيها أننا ننفذ إتفاقنا علي قتل السفير نحن الأتراك و السعوديون و القطريون.ثم يعيد لفظة الله أكبر بالعربية و هي نفسها باللغة التركية بنفس المعني.يكررها للتعتيم علي جريمته السياسية بألفاظ الداعشيين.
– رسالته إلي أوباما و عصابته : ثم يقول القاتل باللغة التركية لا تنسوا حلب لا تنسوا سوريا؟؟؟ إنها رسالة وداع.فهو ماض بجريمته و يوصى الأجهزة المشاركة في الجريمة أن تستمر في مخططاتها و تمويلها المربح لتركيا بحجة حلب و سوريا. لكن لماذا حلب؟ لأن الإعلام التركى و السعودى و القطرى يقدمون مشاهد تحرير حلب من الإرهابيين علي أنها مذابح دموية للمدنيين.و هذا الرجل يعرف أن هذا المشهد سيخلد في سجل الجرائم العالمية لذلك يستغل الموقف ليصاحب القتل عبارات كاذبة تصدر إلي العالم وهماً أن حلب في مآساة و لا تنسوا سوريا؟؟؟ أي لا تنسوا إتفاقنا على الإطاحة بالأسد و إنشاء خلافة إسلامية تجمع الإرهابيين من كل العالم بديلاً عن سيناء الفكرة التي باءت بالفشل بسقوط الإخوان.فلا تنسوا سوريا يا من وضعتم همكم في تخريبها بحجة الإطاحة بالأسد مع أن الأسد لا يسكن بحلب و لا الرقة.
– رسالته عن الإخوان: القاتل يخطب ( بالتركية ) ما لم تكن بلادنا في أمان فأنتم أيضاً لن تتذوقونه.هذه عبارة من صنع الإخوان مثل التي قالها أحدهم أنه في الساعة التي يتوقف فيها إسقاط مرسي يتوقف أيضا فيها الإرهاب.شرط الإرهاب الوحيد أن يعيش و يبقي و يحكم و يتسلط.فإذا لم تسمحوا لنا بالبقاء لن يكون هناك أمان في بلادكم ( و كان مصاحباً لهذه العبارة حادثتين إرهابيتين في برلين و في بلجيكا و قبلها في الكرك بالأردن و البطرسية في مصر) إنها رسالة من الإخوان المسلمين( أن نكون أو لا تكونوا).
– رسالة للمخابرات التركية : ثم يقول (تراجعوا تراجعوا) فلمن يقولها ؟ هو يقول لمن سيأتي ليقتله إنتظر حتي أنتهي .تراجع .لأنه في الحقيقة لم يكن أحد يتقدم في ذلك الوقت بل الجميع كان مختبئاً لكن بغرابة حيث لا تلاحظ هلعاً من قاتل محترف يلوح بمسدسه عالياً و هو يخطب.فلم يحاول أحد الفرار رغم أن القاعة بها جزء منحني يمكن أن ينسحب منه الحاضرون دون أن يتعرض لهم القاتل. نحن أمام لغز حتي من الحاضرين فهم علي ما يبدو غير متفاجئين في معظمهم.ثم يتابع كلامه (لن أخرج من هذه القاعة إلا ميتاً )؟ و هو هنا يطمئن من يشاركه تنفيذ الجريمة و قتله لإخفاء الأدلة إطمئن أنا لن أهرب سأموت كما إتفقنا مسبقاً هيا إستعدوا لقتلي بينما كان من الممكن أن يظهر لنا قدرته علي الجري السريع مستخدما سلاحه للعبور بين الحاضرين المنكمشين في هدوء . يقولها و هو يدير وجهه بعيدا عن الجمهور و كأنه مطمئن تماماً أن أحداً لن يعترضه أو يغافله.
رسالة لروسيا و بوتين : ثم تهدأ نبرته لأنه يعرف أنها آخر عبارة يخطب بها علي المسرح إذ يقول (كل من له يد في هذا الظلم سيدفع الحساب؟) الغرب يعرف أن سوريا أفلتت من الفخ و السعودية تتحسر علي ذلك و هذا الظلم من وجهة نظر القاتل هو سقوط وهم دولة الخلافة و من له يد في ذلك هو بوتين و الأسد و مصر و التهديد بدفع الحساب هو مؤشر علي مزيد من الأعمال الإرهابية.
ثم يغلق المسرح و لا نشاهد كيف تم قتل القاتل.مع أنه كان مكشوفاً و من السهل جداً السيطرة عليه.لكن هذا القتل إرث مخابراتي قديم لزيادة غموض الجريمة لأنه هكذا يظن كل قاتل أن جريمته لا يمكن كشفها منذ قايين الذي أنكر معرفته بمكان أخيه رغم أنه كان عائداً من مسرح الجريمة قاتلاً لأخيه البار .ها قد رأينا اليوم صورة مجددة من قتل قايين الذي توالد و إنتشر حتي صارت لقايين ممالك للقتل و أجهزة و خزائن للقتل .و زياً أنيقاً و إعلاماً ينقل جريمته إلي العالم علي الهواء مباشرة.لقد تضخم قايين لكن عين الرب كاشفة.
#Oliver_the_writer
Image may contain: one or more people

About Oliver

كاتب مصري قبطي
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.