مي سعيد تكتب: لهذه الأسباب خلعت الحجاب

جسد يزهو بأنه إنسان و آخر يتدثر فى اللفائف التى تشبه لفائف المومياء ، علمونا عندما كنا صغار أننا عورة ، صوتنا و صورتنا و هيئتنا عورة ، من رأسنا لإخمص قدمينا عورة ، علمونا أننا فتنة يجب أن تغطى و تتلحف بالعادات و الفهم الخاطئ للنصوص فصدقناهم .

قبل سنين يتخطى عددها نصف عمرى عندما كنت طفلة ذات ضفيرة تتخطى براءتها حاجز الزمن و قفص العادات ، حاول كل من حولى أن يرغبنى فى “الحجاب” و يمرره لى فى كأس حلو من الوعود و كأنه السبيل الوحيد للإستقامة ، لم أكن أدرك وقتها أنه لا أحد يستطيع أن يحدد موعداً للإستقامة مع نفسه و أن ما نلبسه لا دخل له بمدى استقامتنا على الإطلاق ، الكثير من القصص التى من شأنها أن ترغبنى فى ارتداء الحجاب كانت تنتقل من أفواه من حولى بلذة غريبة و كأنها حرفة مقدسة نقلت قداستها تلك إلى أوردتى حتى تشربتها و صرت أجزع و أخجل من ضفيرتى البريئة تلك ، فخلعت صفولتى المنكسرة و وضعت مكانها حجاباً يغطى عورتى المضفرة ، أتذكر يومها ابتسامة أمى ذات الوجه الأبيض الدائرى الصبوح ، التى اعتدت عند مطالعة صورها القديمة عندما كانت فى العشرينات من عمرها أن أنبهر بذوقها و ملابسها و شعرها المسدول فى رفق و ألق فوق كتفيها الجميلين ، لن أنكر أن الطفلة ذات الأربعة عشر ربيعاً وافقت بإرادة كاملة على التخلى عن أن تمتلك فى يوم من الأيام صورة كتلك الصور ، لكن هذه الإرادة كانت مشوبة بخيال منتهك من التقديس الذى حول العادات إلى عبادات ، بعد سنتين أو أكثر قليلاً من فرحتى بإرتداء الحجاب و بملابسى الجديدة ، صارت ملامحى لا تشبهنى كلما ارتديته لكن المجتمع دائماً ما يعنفنا على تغيير قراراتنا المتعلقة بالعادات المقدسة وهماً و تعديلها و كأنه لا مجال للرجوع إلى الخلف مهما كلف الأمر ، لكن هذه الغربة التى نشئت بينى و بين الحجاب سرعان ما اختفت و تحول لإحدى عاداتى اليومية التى لم أعد ألحظ وجودها ، أما كل ما تلى ذلك فكان أكبر من تلك العادة و من غيرها من العادات التى ألصقها بى المجتمع ، صاحبنى شعور يتملكنى طوال الوقت فى الرغبة فى المشى وحيدة إلا من نفسى أناقشها و أسئلها ثم أعود من مصاحبتى لذاتى تلك لأقيم الحفائر و أعلن التنقيب داخل كتب التراث بحثاً عن الإجابات التى تصلح للأسئلة الدائرية التى يلفها المجتمع حول رقابنا ، كنت كلما وجدت ما يفزعنى أدركت كم أشبه كل تلك الإنكسارات و الهزائم التى تحملها كتب التراث ، ثم تخلقت الإجابات بداخلى كجنين طال المخاض به خشية المجتمع ، لكنى كنت دوماً أرجئ الصدام المجتمعى هذا و أتحجج بينى و بين نفسى و أعلن هذه الحجج بصوت واثق لكنه يرتعش من الداخل فكنت دائماً ما أقول أننى لا أرتدى الحجاب لأسباب دينية فأنا لا أعتبره فرضاً دينيناً على الإطلاق و قد كتبت عدة مقالات أفند فيها رأيي هذا لكننى أعتبره موروثاً ثقافياً و هذا كل ما فى الأمر ، لكن الحقيقة كانت مجتزأة من سياقها دوماً فانا لم أكن اتمسك به كموروث انما كنت أحجب وراءه الصراعات الممكنة التى سيضعنى المجتمع فيها إذا ما خلعته خاصةً تلك المتعلقة بطفليَّ ” أربعة عيون عسلية ” هى كل ما أملك و هى من تهبنى الحياة و القوة و الصلابة ، بعد الكثير من الوقت و ملايين من الأفكار قررت أن أدرب تلك ” العيون العسلية و القلوب الطازجة ” على النقاش و الحرية و القدرة و الإرادة التى لا يمكن لأى إعتبار أن يهزمها مهما كان هذا الإعتبار إعتباراً محبوباً ، قررت أن أتسق مع ذاتى و قناعاتى أخيراً و خلعت الحجاب و توقفت عن الإتساق مع المجتمع الذى لا يتسق معى فى كثير من الأشياء على كل حال فما الضير إذن لو زادت خلافاتى معه و مع ما يحمل من تراث خلافاً جديد .

المصدر: اعلام

About أمل عرافة

أمل عرافة خبيرة فلكية مجازة من معاهد لاس فيغاس ولندن, نيودلهي, بكين وطوكيو وجنوب افريقيا, دراسات معمقة في علم التنجيم , اهم ما تنبأت به هو كارثة تسونامي, وصول اوباما الى رئاسة اميركا, وحادثة الطائرة الماليزية, كاتبة مغربية بشؤون المرأة العربية والفن
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.