هل الله موجود؟ نعم! ومن يحاول أن يثبت أنه غير موجود لا يقل برغماتية عن من يحاول أن يثبت أنه موجود
….
الله ـ في أبسط تعريف له ـ هو فكرة… ولكل فكرة أثر، وكل ما يترك أثرا هو موجود! ليس هذا وحسب، بل فكرة “الله” هي الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية، والتأثير هذا يندرج من اعلى درجات الشر إلى أدنى درجات الخير! الأمر يتوقف على مفهوم “العقل الجمعي” لله في أي مجتمع بشري، والحياة برمتها في أي مجتمع هي انعكاس لذلك المفهوم! لهذا السبب يجب أن نتعامل مع الله على انه موجود، كأية فكرة لها أثرها!
….
لو سألني شخص عن مفهومي لله لأجبت: هو الكمال المطلق. لذلك، استطعت أن أراه في برعم صغير، في فراشة مزركشة، في ضحكة طفل، في لمسة حنان، في دمعة أم، استطعت أن أراه في كل الأشياء الجميلة والمؤثرة أوضح بكثير مما رأيته في أي دين! الأديان قاطبة سقطت بـ “الله” دون مستوى الكمال المطلق، والسقوط درجات تختلف باختلاف الدين!
….
لم يسقط دين في تاريخ البشرية بالله كما سقط الاسلام! لم ينفِ الإسلام كل صفة جميلة لله، بل أضفى عليه كل صفة قبيحة…
لذلك، كان الناتج الجمعي قبحا بالمطلق!
…..
الصفة الأجمل والتي تخص الله بالمطلق دون البشر هي قدرته على أن يكون عادلا! مجرد أن تطالب الانسان بأن ينشد العدالة في الحياة الدنيا هو استنزاف للانسانية وتعدي على القدرة الكلية لله… الحياة ليست عادلة… الإنسان ليس عادلا… العدالة هي الكمال المطلق، والإنسان لا يمكن أن يكون كاملا بالطلق… لا تستطيع أن تكون عادلا مالم تعرف الحقيقة المطلقة، ومعرفة الحقيقة المطلقة هي مهمة الله…
….
الله ـ من المفروض ـ أن يعرف خفايا النفس البشرية، وأن يعرف بالتالي أن الإنسان ينزع عاطفيا، والنزوع العاطفي يفتك بالعدالة… التركيبة العاطفية للإنسان، والتي هي في النهاية تركيبته العقلية، فالعقل هو محصل العواطف، تجعل من تحقيق العدالة مهمة مستحيلة! بناءا على ذلك، لا يمكن أن يطالب الله الإنسان بأن ينشد العدالة، لأن السعي وراءها هو تكريس لاستمرار الألم البشري.
القصاص ليس عدالة، بل على العكس تماما، يكون الإنسان أقرب إلى العدالة عندما يصفح ويسامح ويغفر، لا عندما ينتقم ويثأر!
….
استمعت مرة إلى قاضي أمريكي، ومدرس لمادة القانون في إحدى الجامعات الأمريكية قال بما معناه: المحكمة لا تنشد العدالة بقدر ما تنشد فض الخلاف! وتابع يقول: (لو حكمنا على مجرم اغتصب امرأة بالسجن مدى الحياة، لا يعني ذلك أننا حققنا العدالة، فالمرأة لن تستعيد حقها المغتصب من خلال سجن الجاني… الغاية من العقاب هي ردع المجرم، وليست الثأر أو الانتقام! القاضي دائما يحاول أن يحكم بناءا على مابين يديه من مستندات ومن وقائع ـ قد يظنها حقائق ـ ولكن في كثير
من الأحيان، إن لم يكن كلها، تكون الحقيقة المطلقة غائبة!)
….
جميع المسلمين الذي أتحاور معهم يقولون: كانت غزوات محمد دفاعا عن النفس، ويدعمون نظريتهم بقول القرآن:
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم… وأنا اراها الآية الأكثر تكريسا للظلم والأكثر استلابا لانسانية الإنسان، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن النفس.. الدفاع عن النفس شيء والاعتداء على من اعتدى عليك شيء آخر لا يمت له بصلة!
يكاد لا يخلو سلوك بشري، عندما نحلله نفسيا وعقلانيا، من اعتداء على الآخرين بشكل أو بآخر. لذلك، لو اعتمدنا مبدأ “اعتدوا على من اعتدى عليكم” ستصبح الحياة برمتها معتركا شرسا، والدليل أن الوقع الإسلامي عبر التاريخ الاسلامي لم يكن إلاّ معتركا شرسا!
إذا كسر جارك زجاج نافذتك، فرحت وكسرت زجاج نافذته هل تكون قد دافعت عن نفسك؟؟؟؟ هل تكون قد طبقت العدالة؟؟؟؟
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هذه الآية تنفي وجود دولة وقانون، إذ تطالب الإنسان بأن يقتص لنفسه من غيره،
الأمر الذي يحول المجتع إلى غابة، كما هي المجتمعات الإسلامية اليوم!
….
الحرب الطاحنة والتي تدور رحاها اليوم في سوريا والعراق واليمن، وفي بلدان اسلامية أخرى ليست إلا ثمرة لمفهوم العدالة في الاسلام والتي تجسده الآية (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
كل مسلح في تلك الحرب يظن نفسه محاربا في سبيل العدالة! الكل متساوون في مفهومهم للعدالة، ألا وهي أن تعتدي على من اعتدى عليك، والكل يظن أن في حمله للسلاح عدلا، بينما الآخر ظالم ويستحق العقوبة! من أكبر الجرائم التي ااقترفها الاسلام أنه خلط بين الدفاع عن النفس وبين الإعتداء على من اعتدى علينا! خلط بين القصاص والعدالة… ولذلك، تستمر طاحونة الحرب.. ويستمر قطع الرقاب والأيدي والأرجل من خلاف.. كل جريمة هي قصاص لجريمة أخرى ولا أحد يستطيع أن يوقف هذه الشلالات من الدماء!
….
الاسلام يقول: كتب عليكم القصاص في القتلة الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالأنثى.. لو تركنا التمييز العنصري البغيض الذي تكرسه تلك الآية ضد العبد والأنثى جانبا، وتناولنا تكريسها للانتقام والأخذ بالثأر، لاستطعنا أن ندرك أن تطبيق الإنسان لمفهوم العدالة في الاسلام هو استنزاف لانسانيته وفتح جرح لا يمكن إغلاقه! القتل كعقاب للقاتل لا يندرج تحت لواء الدفاع عن النفس، ولا يندرج تحت لواء العدالة، ناهيك عن القتل بحجة الكفر! أما في تلك الآية فالقتل انتقام وثأر، وما بُني على باطل فهو باطل!
….
لقد قلت وأكرر القول أنني لست مسيحية ولا اُدين بأي دين.. لكن لا ضير من أن اشير إلى حقيقة في غاية الأهمية، بوذا يقول: أقدس الحروب تلك التي تربحها بلا سلاح… والمسيح يقول: أحبوا أعدائكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا لمبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم..
……..
وأنا ـ في كلا القولين ـ أرى الله بأبهى صوره… أراه عادلا بالملطق وكاملا بالمطلق….
***********************
أعزائي القراء:
الصورة لطفلة سورية، وهي حفيدة صديقة لي، وكانت قد وقعت عيناي عليها هذا الصباح وقبل أن أنشر المقال، فرأيت فيها إشارة كونية على أن الله يسكن في عيون الأطفال.. فارموا سلاحكم احتراما لذلك الإله الساكن في عيني تلك الطفلة، وفي عيون أطفالنا كلهم علنا نستعيد انسانيتنا المستنزفة… والتي استنزفها شيطان متلبس في ثوب الإله..
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
فيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمحرب #اسرائيل مع #حماس دينية ام سياسية ؟
Published by:صباح ابراهيمعن الفنان السوري #فؤاد_غازي: أخدوه ع الشام و"خيسوه"، الله "يخيّس" آخرتهم.
Published by:مفكر حرمن تلفيقات الفقهاء وأكاذيب المفسرين
Published by:صباح ابراهيمنبوءة_اشعياء وحرب #اسرائيل وحماس
Published by:صباح ابراهيمشيعة #العراق وأزمة المواطنة
Published by:علي الكاش** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هلوسات د. سمير غطاس حول أرض الموعد وهيكل سليمان … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السنديالطفل اليانع
Published by:آدم دانيال هومهالعراق ما بين الماضي الزاهي والحاضر العاثر
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- س . السندي on سيناريوهات الحرب بين #حماس و #إسرائيل.
- س . السندي on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- الأب بولس فلوح on رواية الغريب وضياع الهويه