مفهوم العدالة في الاسلام

wafasultan2015هل الله موجود؟ نعم! ومن يحاول أن يثبت أنه غير موجود لا يقل برغماتية عن من يحاول أن يثبت أنه موجود
….
الله ـ في أبسط تعريف له ـ هو فكرة… ولكل فكرة أثر، وكل ما يترك أثرا هو موجود! ليس هذا وحسب، بل فكرة “الله” هي الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية، والتأثير هذا يندرج من اعلى درجات الشر إلى أدنى درجات الخير! الأمر يتوقف على مفهوم “العقل الجمعي” لله في أي مجتمع بشري، والحياة برمتها في أي مجتمع هي انعكاس لذلك المفهوم! لهذا السبب يجب أن نتعامل مع الله على انه موجود، كأية فكرة لها أثرها!
….
لو سألني شخص عن مفهومي لله لأجبت: هو الكمال المطلق. لذلك، استطعت أن أراه في برعم صغير، في فراشة مزركشة، في ضحكة طفل، في لمسة حنان، في دمعة أم، استطعت أن أراه في كل الأشياء الجميلة والمؤثرة أوضح بكثير مما رأيته في أي دين! الأديان قاطبة سقطت بـ “الله” دون مستوى الكمال المطلق، والسقوط درجات تختلف باختلاف الدين!
….
لم يسقط دين في تاريخ البشرية بالله كما سقط الاسلام! لم ينفِ الإسلام كل صفة جميلة لله، بل أضفى عليه كل صفة قبيحة…
لذلك، كان الناتج الجمعي قبحا بالمطلق!
…..
الصفة الأجمل والتي تخص الله بالمطلق دون البشر هي قدرته على أن يكون عادلا! مجرد أن تطالب الانسان بأن ينشد العدالة في الحياة الدنيا هو استنزاف للانسانية وتعدي على القدرة الكلية لله… الحياة ليست عادلة… الإنسان ليس عادلا… العدالة هي الكمال المطلق، والإنسان لا يمكن أن يكون كاملا بالطلق… لا تستطيع أن تكون عادلا مالم تعرف الحقيقة المطلقة، ومعرفة الحقيقة المطلقة هي مهمة الله…
….
الله ـ من المفروض ـ أن يعرف خفايا النفس البشرية، وأن يعرف بالتالي أن الإنسان ينزع عاطفيا، والنزوع العاطفي يفتك بالعدالة… التركيبة العاطفية للإنسان، والتي هي في النهاية تركيبته العقلية، فالعقل هو محصل العواطف، تجعل من تحقيق العدالة مهمة مستحيلة! بناءا على ذلك، لا يمكن أن يطالب الله الإنسان بأن ينشد العدالة، لأن السعي وراءها هو تكريس لاستمرار الألم البشري.
القصاص ليس عدالة، بل على العكس تماما، يكون الإنسان أقرب إلى العدالة عندما يصفح ويسامح ويغفر، لا عندما ينتقم ويثأر!
….
استمعت مرة إلى قاضي أمريكي، ومدرس لمادة القانون في إحدى الجامعات الأمريكية قال بما معناه: المحكمة لا تنشد العدالة بقدر ما تنشد فض الخلاف! وتابع يقول: (لو حكمنا على مجرم اغتصب امرأة بالسجن مدى الحياة، لا يعني ذلك أننا حققنا العدالة، فالمرأة لن تستعيد حقها المغتصب من خلال سجن الجاني… الغاية من العقاب هي ردع المجرم، وليست الثأر أو الانتقام! القاضي دائما يحاول أن يحكم بناءا على مابين يديه من مستندات ومن وقائع ـ قد يظنها حقائق ـ ولكن في كثير
من الأحيان، إن لم يكن كلها، تكون الحقيقة المطلقة غائبة!)
….
جميع المسلمين الذي أتحاور معهم يقولون: كانت غزوات محمد دفاعا عن النفس، ويدعمون نظريتهم بقول القرآن:
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم… وأنا اراها الآية الأكثر تكريسا للظلم والأكثر استلابا لانسانية الإنسان، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن النفس.. الدفاع عن النفس شيء والاعتداء على من اعتدى عليك شيء آخر لا يمت له بصلة!
يكاد لا يخلو سلوك بشري، عندما نحلله نفسيا وعقلانيا، من اعتداء على الآخرين بشكل أو بآخر. لذلك، لو اعتمدنا مبدأ “اعتدوا على من اعتدى عليكم” ستصبح الحياة برمتها معتركا شرسا، والدليل أن الوقع الإسلامي عبر التاريخ الاسلامي لم يكن إلاّ معتركا شرسا!
إذا كسر جارك زجاج نافذتك، فرحت وكسرت زجاج نافذته هل تكون قد دافعت عن نفسك؟؟؟؟ هل تكون قد طبقت العدالة؟؟؟؟
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هذه الآية تنفي وجود دولة وقانون، إذ تطالب الإنسان بأن يقتص لنفسه من غيره،
الأمر الذي يحول المجتع إلى غابة، كما هي المجتمعات الإسلامية اليوم!
….
الحرب الطاحنة والتي تدور رحاها اليوم في سوريا والعراق واليمن، وفي بلدان اسلامية أخرى ليست إلا ثمرة لمفهوم العدالة في الاسلام والتي تجسده الآية (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
كل مسلح في تلك الحرب يظن نفسه محاربا في سبيل العدالة! الكل متساوون في مفهومهم للعدالة، ألا وهي أن تعتدي على من اعتدى عليك، والكل يظن أن في حمله للسلاح عدلا، بينما الآخر ظالم ويستحق العقوبة! من أكبر الجرائم التي ااقترفها الاسلام أنه خلط بين الدفاع عن النفس وبين الإعتداء على من اعتدى علينا! خلط بين القصاص والعدالة… ولذلك، تستمر طاحونة الحرب.. ويستمر قطع الرقاب والأيدي والأرجل من خلاف.. كل جريمة هي قصاص لجريمة أخرى ولا أحد يستطيع أن يوقف هذه الشلالات من الدماء!
….
الاسلام يقول: كتب عليكم القصاص في القتلة الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالأنثى.. لو تركنا التمييز العنصري البغيض الذي تكرسه تلك الآية ضد العبد والأنثى جانبا، وتناولنا تكريسها للانتقام والأخذ بالثأر، لاستطعنا أن ندرك أن تطبيق الإنسان لمفهوم العدالة في الاسلام هو استنزاف لانسانيته وفتح جرح لا يمكن إغلاقه! القتل كعقاب للقاتل لا يندرج تحت لواء الدفاع عن النفس، ولا يندرج تحت لواء العدالة، ناهيك عن القتل بحجة الكفر! أما في تلك الآية فالقتل انتقام وثأر، وما بُني على باطل فهو باطل!
….
لقد قلت وأكرر القول أنني لست مسيحية ولا اُدين بأي دين.. لكن لا ضير من أن اشير إلى حقيقة في غاية الأهمية، بوذا يقول: أقدس الحروب تلك التي تربحها بلا سلاح… والمسيح يقول: أحبوا أعدائكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا لمبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم..
babygodiyes……..
وأنا ـ في كلا القولين ـ أرى الله بأبهى صوره… أراه عادلا بالملطق وكاملا بالمطلق….
***********************
أعزائي القراء:
الصورة لطفلة سورية، وهي حفيدة صديقة لي، وكانت قد وقعت عيناي عليها هذا الصباح وقبل أن أنشر المقال، فرأيت فيها إشارة كونية على أن الله يسكن في عيون الأطفال.. فارموا سلاحكم احتراما لذلك الإله الساكن في عيني تلك الطفلة، وفي عيون أطفالنا كلهم علنا نستعيد انسانيتنا المستنزفة… والتي استنزفها شيطان متلبس في ثوب الإله..

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.