حوارات في اللاهوت المسيحي 2 مفهوم (المحبة) في الإيمان المسيحي

jaafarelhakimتعتبر مفردة المحبة من أهم المفردات الأساسية لخطاب التبشير والكرازة في الديانة المسيحية (سابقا) والايمان المسيحي(حاليا), نظرا لما
لهذه الكلمة من معاني ذات تأثير في النفس وجاذبية رومانسية ودغدغة لمشاعر المتلقين.

وقد أوضحنا في المقال السابق أن (محبة الله) وحسب نصوص الكتاب المقدس هي محبة (مشروطة) و(مخصصة) و(منحازة).

هذا المقال سيتناول مفهوم المحبة بمداه الأفقي وليس العمودي ,أي المحبة بين الناس أو المجتمع حسب تعليمات ونصوص الكتاب المقدس.

العهد القديم تناول مفهوم المحبة -كالعادة- باعتبارها امتياز للمجموعة البشرية التي اختارها رب الكتاب المقدس واحبها وقدسها ورفعها
على بقية البشر, أعني بني إسرائيل , الذين اعتبرهم الرب أبنائه وشعبه المختار والمحبوب

( انتم اولاد الرب…لأنك شعب مقدس للرب إلهك) تث14- 1,2

وعند متابعتنا لنصوص الكتاب المقدس نجد الحث على المحبة والتآلف والتعاون بين ابناء اسرائيل فقط !
تلك المجموعة المرتبطة مع بعضها برابطة الدم والقرابة والانحدار من أسرة واحدة , والتي عليها أن تحافظ على روابط المحبة والرحمة بين
أفرادها حصرا, لان هذه هي إرادة الرب وتعليماته لأبنائه المفضلين!
اما الشعوب الأخرى فقد جعلهم الرب بشرا من الدرجة الثانية يصنفون ك(كلاب) مقابل اليهود(البنين) , وهم مجرد أغيار وخدم لأبناء الله.

(وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ
امَّا أَنْتُمْ … تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ) اشعيا 61 6و5

ونجد الكتاب المقدس يأمر الشعب المختص بمحبة الرب أن لا يتعاطفوا أو يتشبهوا بالأغيار من بقية البشر حتى بأحزانهم
(أنتم أولاد للرب إلهكم لا تخمشوا أجسامكم ولا تجعلوا قرعة بين اعينكم لأجل ميت) تث 14-1

وفي العهد الجديد نجد ترسيخ لهذه المفاهيم في بداية دعوة الشاب اليهودي (يسوع) والتي كان يحرص فيها على اجتذاب المؤيدين لدعوته من أبناء قومه اليهود
فنجد (يسوع) يؤكد مفهوم ان اليهود هم (بنين) الله مقابل بقية البشر من غير اليهود (الكلاب) كما قال للمرأة السورية
(ليس حسنا ان
يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) متى 15 :26
ولم يساعدها الا بعد أن داست تلك المرأة على كرامتها الإنسانية وقبلت أن تصنف من ضمن(الكلاب)!!

وكذلك نجد (يسوع) المصلح اليهودي حين سأله أحد اليهود أن يوصيه, يجعل وصيته الثانية لليهودي -بعد محبة الرب- هي
(ان تحب قريبك كما تحب نفسك) متى 22-39

ونلاحظ هنا استعمال (يسوع) لكلمة (قريبك) لأنه ابن الثقافة والأعراف اليهودية والمتأثر بها ,عندما يخاطب يهودي مثله يؤكد له ان نطاق المحبة يجب
ان يكون محصورا ضمن المجموعة اليهودية المرتبطة مع بعضها برابطة القرابة.

النص السابق والذي اكد فيه(يسوع) على مبدأ تخصيص المحبة للأقارب من (اليهود) فقط, جعل الذين كتبوا الأناجيل يستشعرون الحرج عندما أرادوا كتابة
إنجيل موجه لأبناء الجالية الغير يهودية من وثنيين و رومانيين, لذلك نجد كتبة الانجيل المنسوب الى (لوقا ) والمكتوب للجاليات الغير يهودية قد قاموا بإضافة بعض البهارات بشكل متنطع وأسلوب متكلف ومفضوح ليغيروا مفهوم(القرابة) ليجعلوها تعني(الرحمة!), فاضافوا للحوار
قصة اختلقوها لتكون تكملة وتعديل وتغيير للمعنى(قصة السامري الصالح )رغم أن هذه القصة لم تكن موجودة اصلا في الأناجيل المنسوبة إلى (متى) و(مرقص) السابقة لإنجيل لوقا في زمن الكتابة,انظر لوقا 10

وبالانتقال إلى العهد الجديد, نلاحظ حرص المؤسسين للديانة المسيحية (الجديدة) وبشكل لافت على نقل جميع الخصائص والامتيازات التي اعطاها رب العهد القديم لليهود ليجعلوها
هبة من رب العهد الجديد إلى مجموعة (المؤمنين) الجدد الذين آمنوا بألوهية يسوع.
فالعهد الجديد يقول للمسيحيين بأنهم شعب الله, وأبناء الله المخصوصين بمحبته التي انسكبت فيهم مع روح القدس التي اعطاها الرب لهم, لأنهم وحدهم اولاد الله الأنقياء
,الأتقياء, البررة, ولأنهم (هيكل الله المقدس والحي) الذين خصهم الله وابنه بالمحبة!
والشواهد على هذه الامتيازات الربانية المخصصة للمسيحيين(فقط) كثيرة, و سأختصر بذكر بعضها فقط

(لأَنَّ
مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا) رومية 5
(كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي )يوحنا 15-9
(أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به )يوحنا 15-3
(أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ 1)-يوحنا -2
(أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم …لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو) بولص 3 لكورنثوس16 -17
وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ.”
(رسالة
بطرس الرسول الأولى 2:
10)

هذا الحشد من النصوص هدفه شحن شخصية المسيحي بمتلازمة (انتفاخ الذات)العقائدية ,وجعل نشوة الشعور (بالاستعلاء الإيماني) مسيطرة على الذهنية
العقدية للفرد فلا يستطيع وجدانيا الانفكاك من سكرتها .
فالفرد في الديانة الجديدة أصبح يؤمن بافضليته الإيمانية على بقية البشر مع وصايا وتعاليم تحثه على المحبة والتراحم والرأفة ,ولكن, ضمن نطاق
مجموعته الإيمانية فقط!
لان المسيحيين هم (جسد واحد, روح واحدة) وعليهم أن يكونوا(لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ), ويحبون بعضهم
البعض كما أحبهم ربهم يسوع!
(هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ) يوحنا 15
وهناك الكثير من التعاليم المبثوثة في نصوص الكتاب المقدس التي تحث المسيحيين على أن تكون محبتهم و شفقتهم محصورة ضمن نطاق دائرتهم الإيمانية
فقط .

وعلى النقيض تماما نجد نصوص العهد الجديد تتخذ موقف عدائي فج ومشبع بالكراهية والازدراء والاحتقار (للآخر) الذي لا ينتمي لدائرة الإيمان المسيحية
مع تعاليم واضحة ومباشرة تحث على عداوة (الآخر) وعزله ومحاولة افنائه!

فالمسيحيون (أبناء الله) بينما الذين لايؤمنون بألوهية يسوع هم (ابناء ابليس!)
(انتم من اب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا) يوحنا44:8

وغير المؤمنين بألوهية يسوع هم من الحيّات
اولاد الافاعي, أشرار,آثمين ,جهلة, عميان , وانجاس, داعرين!
وكل الأمم التي لا تشارك المسيحي معتقده هم
(مظلمو الفكر,ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم,الذين أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع) رسالة
بولص 4:1
والذين لايعتقدون بنفس عقيدة الايمان المسيحي هم كالحيوانات !
(أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ،
فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ)
بطرس2-12
ونجد ان كتبة الاناجيل احيانا تأخذهم نشوة الكراهية إلى أقصى مدياتها فيصورون (الآخر), باحط وأبشع الصفات, تصل لحد تشبيه المختلف معهم بالكلاب
والخنازير!

(كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ)،وَ(خِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ). بطرس 2-22
(اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. انْظُرُوا الْقَطْعَ)رسالة بولس إلى أهل فيلبي 3

وحسب نصوص الانجيل, الذين لايشاركون المسيحيين بنفس ايمانهم هم ( أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ) بطرس 2-14
لان المسيحي من الله وغيره من الشر!
(نعلم اننا نحن من الله و العالم كله قد وضع في الشرير) يوحنا الاولى 19:5

والمسيحي
هو المؤمن الطاهر,البار, المغفورة كل خطاياه , أما الذي لا يتطابق معه في الإيمان فهو
غير مؤمن(كافر) نجس, مصيره الخلود في جهنم مهما فعل من خير بالدنيا
(كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم)
رسالة بولس لتيطس 1-15

في الحلقة القادمة سأستعرض النصوص التي تحث على كراهية الآخر وعدم التعامل معه بل ومحاولة تحقيره وتدميره
وساتوقف أيضا عند مقولة (احبوا اعداءكم) وتوضيح أصل هذه (السرقة النصية) ونسبتها للسيد المسيح ,وكيف أن السيد المسيح نفسه لم يلتزم بها !.

د.جعفر الحكيم

About جعفر الجكيم

جعفر الجكيم 45 عام طبيب عراقي مقيم في الولايات المتحدة نيويورك- ضاحية مانهاتن ناشط في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان باحث في مجال مقارنة الاديان ممثل لمنظمات مجتمع مدني عراقية في الامم المتحدة بنيويورك منذ 2007 ولا زال رئيس تحرير جريدة المهاجر - ولاية اريزونا- مدينة فينكس للفترة 2005 من 2011الى لي مشاركات عديدة في برامج حوارية حول مقارنة الاديان في قناة الكرمة ارجو التفضل بقبول جزيل شكري ووافر احترامي د.جعفر الحكيم
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

2 Responses to حوارات في اللاهوت المسيحي 2 مفهوم (المحبة) في الإيمان المسيحي

  1. Ebrahim says:

    ولك مو بس مدعي للثقافة و الفهم كمان كذاب
    ثوب المفكر ابحر كبير عليك انت كتير عليك مريول تلميذ صف اول او اقل

  2. Ebrahim says:

    و لك جعفر شو بيقرب الجعفري تبع النظام بالامم لان نفس الشكل و بيجمعكن اسم جعفر و نفس الفكر الماخلف و اسلوب الكذب نفسو

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.