حوارات في اللاهوت المسيحي (الله محبة) فهل هو حقا كذلك؟

love1د.جعفر الحكيم

يردد الاخوة المسيحيون كثيرا العبارة الشهيرة (الله محبة) ويركزون عليها في نشاطات الكرازة والدعاية الدينية لعقيدتهم, ويحاولون من خلال اضفاء نوع من الرومانسية الايمانية على هذه العبارة ايهام المتلقي بان الاله في الايمان المسيحي هو (محبة) مطلقة عامة وشاملة, ليكون بذلك متميزا ومتفوقا على مفهوم وتصور الاله المعبود لدى غيرهم من خلال الايحاء بان معبودهم هو (كراهية وبغض).
فهل هذا التصوير المسيحي للاله صحيح ضمن المنظومة اللاهوتية المسيحية؟
عبارة ( الله محبة) لم ترد ضمن اعلانات الله عن نفسه في الكتاب المقدس ولا على لسان اي من انبياء العهد القديم ولا حتى على لسان السيد المسيح, وانما وردت فقط ضمن رسالة لشخص مسيحي مجهول قالوا فيما بعد انه (يوحنا) احد تلاميذ المسيح ونسبوا له كتابة انجيل يوحنا والرسائل الثلاث المعروفة باسمه من دون وجود جزم او تأكيد حول شخصية هذا الرجل!
وقبل الذهاب لمناقشة عبارة يوحنا الشهيرة في رسالته علينا التوقف اولا عند العهد القديم لنتفحص ونرى هل الله في العهد القديم كان(محبة) بالمعنى المطلق الشامل الذي يحاول الاخوة المسيحيون تصويره لنا؟
اله العهد القديم (والذي هو نفسه اله المسيحيين لكن بنسخة محدثة) اعلن بشكل واضح ان محبته وهبها لفئة محددة من البشر, وهم بنو اسرائيل والنصوص في هذا المعنى واضحة جلية لاتقبل التأويل
(وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ) ارميا 30-3
(بل من محبة الله إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم) تثنية 7-8:6
(اذ صرت عزيزا في عيني مكرما وأنا قد احببتك اعطي اناسا عوضك وشعوبا عوض نفسك) اشعيا4:43
فالعهد القديم يخبرنا ان الرب هو الذي اختار بني اسرائيل وخصهم بمحبته (الابدية) ورحمته (الدائمة).
دعي شعب إسرائيل ابن الله أو أبناء الله لانهم كانوا موضوع محبته الخاصة وعنايته. وقد
مقابل هذا الاعلان الواضح باختصاص الرب بمحبته لعنصر محدد من البشر,لم ترد في العهد القديم اي عبارة تدل على ان الرب هو محبة عامة شاملة لكل البشر ولم يذكر هذا المعنى اي نبي من انبياء العهد القديم.
وبالعودة الى صاحب العبارة الشهيرة (الله محبة) نجد السيد يوحنا في رسالته الاولى يوجه خطابه الى (الاحباء) الذين يشاركونه نفس المعتقد, ويعمد الى تقسيم الناس الى فئتين: (نحن) و (هم)!
حيث نجد يوحنا يصنف نفسه مع احباءه ضمن فئة(نحن) الذين اعترفوا بالمسيح فاصبحوا من(الله) ليميزوا انفسهم عن باقي الناس(هم) الذين اعتبرهم ليسوا من (الله) لانهم روح ضد المسيح!
ونجد يوحنا يخاطب احباءه الذين يشاركوه في معتقده قائلا
(نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا)
ثم يخصص يوحنا كلامه اكثر فيقول:
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ
وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ
بعد ذلك مباشرة ياتي السيد يوحنا الى بيت القصيد:
(بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ) رسالة يوحنا الاولى 4
يتضح من هذا العرض ان يوحنا خصص محبة الله في فئته لانهم من (الله) فكانت محبة الله لهم وفيهم!
وبذلك يكون العهد الجديد قد نقل (اختصاص) محبة الله من الاسرائليين- رغم تأكيد الله المسبق لهم بانها (ابدية) في العهد القديم- الى فئة جديدة وهم المؤمنون بالعقيدة المسيحية القائمة على فكرة تجسد الله والفداء.
الاخوة المسيحيون في نشاطاتهم التبشيرية يتعمدون اخفاء هذا المعنى الواضح في النص ويلجأون لعملية الاجتزاء والمراوغة اللفظية للايحاء للمتلقي بمعنى رومانسي جذاب يشعره ان الايمان المسيحي يقوم على الاعتقاد بان الله هو محبة للجميع بشكل مطلق وشامل بخلاف الهة الاخرين التي تتصف بالكراهية وتعاقب البشر وتنتقم منهم, وهذا مع الاسف نوع من انواع الخديعة والمراوغة المعتمدة في الدعاية التبشيرية.
في العقيدة المسيحية نجد ان محبة الله (مشروطة بالايمان) لان من سينتفع من هذه المحبة هم المؤمنون فقط.
(لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة ُ) يوحنا 16:3
فالذي يشارك الاخوة المسيحيين عقيدتهم هم فقط الناجون الذين سيتلذذون بمحبة الله والحياة الابدية ,اما بقية مليارات البشر الذين لايشاركوهم نفس الايمان فسيكون مصيرهم الهلاك في (جهنم) حيث يخلدون الى جنب الشياطين لينعموا ب(محبة) الرب يسوع الذي قذفهم هناك لانهم لم يقتنعوا او لم يسمعوا بالوهيته حتى وان كانوا قد قضوا كل حياتهم في اعمال البر والخير, فكل ذلك لن ينفعهم عند رب (المحبة) الذي جعل نتائج محبته وثمرتها مقصورة على الذين قبلوا به ربا بغض النظر عما اقترفوه في حياتهم من شرور واثام او اذى لبني البشر!
ومن ذلك يتضح لنا ان المحبة (الدعائية) التي يكرر العزف على اسطوانتها اخوتنا المسيحيون هي محبة (عوراء) وفارغة المضمون لانها محبة (متحيزة) لفئة محددة وبنفس الوقت (ناسفة) لمبدأ العدالة الالهية التي هي مبدأ بديهي يتفق عليه جميع البشر.
وللحديث صلة في حلقة قادمة.

About جعفر الجكيم

جعفر الجكيم 45 عام طبيب عراقي مقيم في الولايات المتحدة نيويورك- ضاحية مانهاتن ناشط في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان باحث في مجال مقارنة الاديان ممثل لمنظمات مجتمع مدني عراقية في الامم المتحدة بنيويورك منذ 2007 ولا زال رئيس تحرير جريدة المهاجر - ولاية اريزونا- مدينة فينكس للفترة 2005 من 2011الى لي مشاركات عديدة في برامج حوارية حول مقارنة الاديان في قناة الكرمة ارجو التفضل بقبول جزيل شكري ووافر احترامي د.جعفر الحكيم
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

2 Responses to حوارات في اللاهوت المسيحي (الله محبة) فهل هو حقا كذلك؟

  1. س . السندي says:

    للعزيز د جعفر الحكيم …؟

    ١: كقاري للكتب الثلاث لم توفق في طرحك تماماً ، فما قلته هو نصف الحقيقة ونصف الحقيقة أخطر من الحقيقة كلها ؟
    ٢: للعلم ان السيد يوحنا (القديس يوحنا) هو الوحيد الباقي حياً من حواري المسيح ومات عن عمر 103عام منفياً في جزيرة بطمس ؟

    ٣: نعم محبة الله هى مشروطة فهل من المنطق أن يساوي بين الأتقياء والقديسين وبين السفلة والمجرمين ، حتى المنطق الاسلامي لفهم الله مشروط ، كما جافيا الحقيقة التي تقول { من أمن واعتمد خلص … ومن لم يؤمن بدان} فكيف تدعي أنه سيلقيهم في جنهم حسب هواه ، وحتى الذين ليس لهم ناموس (أي شريعة) فيدافعون بشريعة ضميرهم

    ٤: لنفترض أن ماتدعيه صحيح عن السيد يوحنا وعن اله المسيحيين (السيد المسيح) والذي في شرعك مجرد نبي ، فبالمنطق والعقل وانت دكتور وحكيم أليس أفضل من نبي سالب وناهب وغازي وغاصب وقاتل وهاتك ؟

    ٥: وأخيراً …؟
    نعم الحياة كما الشرائع والطبائع تتغير وتتطور ولكن نحو الاسمى والأفضل والأرقى وليس نحو الاقدر والاسوأ ، صح ، ، لذا فمحبة عوراء أفضل من محبة تطبق بحد السيف وعمياء ، لذا كونو منصفين في طرحكم لان ليس كل البشر سذج وعمى وأغبياء ، وللحديث كما قلت بقية والى اللقاء ، سلام ؟

    • جعفر الحكيم says:

      الاخ العزيز السندي
      شكرا لحضرتك على ملاحظاتك
      واشكرك على الاتفاق معي بان (محبة الله) في الايمان المسيحي (مشروطة) و (عوراء) وهذا ماحاولت توضيحه في المقال
      خلافا لادعاءات المكرزين ومحاولاتهم اضفاء الرومانسية على هذا المفهوم وتصويره بشكل جذاب

      بالنسبة ليوحنا : فالمقال ليس حول شصية يوحنا (التلميذ) لكني فقط اشرت الى ان كاتب انجيل يوحنا شخصية ليس مقطوع بمعرفة هويتها ونسبة الانجيل ليوحنا التلميذ امر غير مؤكد

      المقال مجرد مقدمة لسلسلة متكاملة , لكنها ليست في مجال مقارنة المسيحية باديان اخرى كالاسلام او غيره وانما دراسة نقدية للنص المسيحي وحسب
      بقية تساؤلاتك ستجد اجابات لها في الحلقات القادمة فارجو ان لاتستعجل

      تقبل مني جزيل الشكر ووافر الاحترام
      مع المحبة والود

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.