في داخلنا.. داعشي صغير!

childrenisisicampتمنيت، وتمنيت كثيرا، لو قرأت او سمعت أن أحدا من كبار رجال الفكر الإسلامي امتلك تفسيرا جريئا وواضحا لواحد من أكثر أمور الدين الإسلامي غموضا وتعقيدا.

يقول تعالى “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ”. وهي آية شديدة الوضوح والمعنى. وهي فوق ذلك تمثل روح دينية حرة. لكن كيف تستقيم هذه الآية مع آيات اخرى كثيرة، تحث بلا جدال ولا نقاش ولا اعتراض على قتال الكفار والمشركين من أهل الكتاب والمجوس حتى يتحولوا إلى إلإسلام؟ “فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب”. (سورة محمد)

من يملك تفسيرا جريئا وواضحا لهذا التناقض بين اللا إكراه وبين ضرب الرقاب؟

وماذا عن الحديث النبوي: “أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتو الزكاة”؟

كيف يتفق الأمر إذا؟ لا إكراه في الدين، ثم حتمية شهادة ان لا إله إلا الله ومحمد رسول الله والصلاة والزكاة، فإن لم يكن فقتل او دفع جزية. أليست الجزية وحدها إكراه على الدين؟

منذ كنت طفلا على مقاعد الدراسة، كان نصف منهجنا التعليمي حفظ قرآن وحديث وتفسير وتربية اسلامية. يأتي أستاذنا الأول فيملي علينا آيات من القرآن، ثم يأتي الثاني فيملي أحاديث تناقض الآيات. وعندما نسأل عن الفرق نوبخ، او نؤمر بالصمت جهلا من المعلمين انفسهم بالجواب. عندما كبرنا، وتجرأنا على السؤال، قالوا لا تسألوا عن اشياء ان تبدى لكم تسؤكم. وهو جواب من لا جواب لديه. ثم وبعد ان كبرنا اكثر، وبتنا نلح على السؤال قالوا لنا: حسن، هناك آيات مستنسخة، وأخرى منسوخة، وهناك آيات لها اسباب نزول، وأخرى لها مناسبة تسبق تلك، أما هذه فتفسر كذا وتلك تفسر ذاك.

هل علينا أن نكون علماء نحو وتفسير وفيزياء وفضاء حتى نستطيع ان نحدد طبيعة التناقض في مسألة الإكراه واللا إكراه في النص القرآني؟ يرفض المسلمون المساس بالنص، وهذا أمر احترمه، لكن لا بد ان نشرح لأجيالنا سر هذا التناقض في النص. يجب ان يكون لدينا شيئا جريئا وجديدا ومقنعا. وأقول مقنعا لأنه من الواضح اننا قد فشلنا طوال قرون في إعطاء أجوبة محددة لنا ولغيرنا عن طبيعة ديننا. كيف نطلب من الآخرين فهم ما نعجر نحن المسلمون عن فهمه؟

هذا العجز الفكري في تبرير التناقض بين الكره واللا كره، يخلق جيلا تائها، كحالنا نحن، لا يعرف أين يسير شمالا ام جنوبا. ولما كانت الطاعة الدينية واجبة لا نقاش فيها، فقد عرف هذا الجيل معنى الإكراه مبكرا. لذلك هو يريد ان يصبح العالم كله مسلما، ولو مكرها، أعلن ذلك ام كتمه. يشجعه على ذلك توالي الخيبات وانكسار الأمل.

لقد تراكمت في داخلنا قناعة مسيطرة، بأن الإسلام هو الدين الحق الوحيد، وأن قتال الكفار واجب، وموالاتهم كفر. المتعلمون، والمثقفون، والجهلة أيضا، يختلفون في ثقافاتهم، وأدبياتهم، لكن أعماقهم لا تختلف على أن القتال والجهاد والاستشهاد من اساسيات الدين شاء من شاء وأبى من أبى.

نحن اليوم نشحذ قواتنا لمحاربة داعش الكبرى، فيما يختفي داخل كل منا داعشي صغير.

nakshabandih@hotmail.com

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to في داخلنا.. داعشي صغير!

  1. ابو البتول says:

    إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم

    التفسير

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.