بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس عصبة مكافحة الصهيونية

عصبة مكافحة الصهيونية مأثرة من مآثر الحزب الشيوعي العراقي
عادل حبه
بتاريخ 12/9/1945، وجّه لفيف من الشباب اليهودي العراقي عريضة إلى وزير الداخلية العراقي طالبوا فيها إجازة تأسيس منظمة “عصبة مكافحة الصهيونية”، مرفقة بالنظام الأساسي لهذه المنظمة. ولم تكن هذه المبادرة الفريدة بمعزل عن قرار قيادة الحزب الشيوعي العراقي وموقفه الثابت في دعم المصالح الوطنية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وأشارت العريضة في مقدمتها:” نحن نعتقد، إخلاصاً، بأن الصهيونية خطر على اليهود مثلما هي خطر على العرب وعلى وحدتهم القومية. ونحن إذ نتصدى لمكافحتها علانية وعلى رؤوس الأشهاد إنما نعمل ذلك لأننا يهود ولأننا عرب بنفس الوقت. إن للمشكلة اليهودية جذوراً عميقة في النظام الاجتماعي، وهي ليست كما تبدو لمن ينظر إليها نظرة سطحية على أنها وليدة اختلاف ديني أو تمايز عنصري أو عدم ائتلاف في العادات والأخلاق وغيرها”. وجاء في العريضة أيضاً:” ولما كانت قضية فلسطين هي قضية البلاد العربية بأسرها، فلا يمكن إذن أن نقف إلاّ بجانب عرب فلسطين ونؤيدها في نظرتنا الواقعية العلمية هذه وهي التعاون بين العرب واليهود في حزب وطني واسع شعبي، ظهر في فلسطين، يعادي الصهيونية عداء صميماً، ويدعو إلى التعاون بين العرب وبين جماهير اليهود لحل قضية فلسطين على أساس منع الهجرة اليهودية وإيقاف انتقال الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة وتأليف دولة ديمقراطية عربية مستقلة استقلالاً تاماً، تضمن فيها حقوق المواطنين كافة عرباً ويهوداً”. ولم يكن هذا المسعى منعزلاً أيضاً عن سعي المكون اليهودي في العراق إلى الفصل بين الطائفة اليهودية وبين الحركة الصهيونية. وقد وقع العريضة عدد من كوادر وأعضاء من المكون اليهودي في الحزب الشيوعي العراقي السري آنذاك، وهم كل من سليم منشي ونسيم حسقيل يهودا ومسرور صالح قطان وابراهيم ناجي ويعقوب مصري ومير يعقوب كوهين ويعقوب اسحيق وموشي يعقوب.
وأرفق بالعريضة منهاج العصبة، الذي اشير في المادة الثانية منه إلى :”أهداف العصبة، مكافحة الصهيونية وفضح أعمالها ونواياها بين جماهير الشعب العراقي لا سيما بين اليهود. وتلك قضية حيوية لها خطورتها في حياتنا الوطنية. ولذلك تستهدف العصبة القضاء على نفوذ الصهيونية ودعايتها..”. وورد في البرنامج أيضاً: في المادة الثانية “أ- القضاء على النعرات الطائفية التي تمزق وحدة الشعب العراقي. ب- خلق جو من التفاهم بين مواطني الشعب العراقي كافة وذلك ببث روح الديمقراطية بين سائر أفراد الشعب العراقي”. وبعد مرور ستة أشهر على تقديم العريضة، أجاز وزير الداخلية النشاط العلني للعصبة بتاريخ 16/3/1946، وسُمح لها بإصدار جريدة علنية هي صحيفة “العصبة” التي صدر العدد الأول منها في 7 نيسان عام 1946، التي كانت توزع بحدود 6 آلاف نسخة في بغداد والمحافظات العراقية. وصدر تباعاً 51 عدد من جريدة العصبة لحين توقيفها من قبل السلطات الحاكمة آنذاك. وعقدت العصبة مؤتمرها الأول وانتخبت الهيئة الإدارية التي ضمت يهودا صديق (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي

يوسف هارون زلخة
العراقي)، والذي تم إعدامه مع قادة الحزب عام 1949)، وترأس العصبة يوسف هارون زلخة. وترأس هيئة الرقابة يهودا صديق، وتولى يعقوب مصري (عادل مصري) سكرتارية العصبة، واحتل كل من يوسف زلوف ومسرور صالح قطان

فقيدنا وشاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري مع الفقيد عادل مصري (يعقوب مئير مصري) سكرتير عصبة مكافحة الصهيونية في براغ
وآخرون مواقع قيادية في المنظمة. وكلّفت قيادة الحزب الشيوعي الرفيق الشهيد زكي بسيم (عضو المكتب السياسي) بالصلة والتنسيق بين قيادة الحزب والعصبة، وقيادة الفراكسيون الحزبي في المنظمة. ولعب الرفيق فهد دوراً مهماً في توجيه نشاطها، بما فيها الكتابة في صحيفة العصبة، حيث جمعت مقالاته لاحقاً في كراس تحت عنوان “رسائل العصبة”. ولقد احتضنت العصبة أعضاء وكوادر من الحزب الشيوعي إضافة إلى غالبية من المواطنين اليهود وعدد أقل من المواطنين الديمقراطيين المسيحيين والمسلمين وبعض الوجوه الوطنية الديمقراطية العراقية من غير المكون اليهودي. وخلال نشاط العصبة العلني، قامت بتنظيم اجتماعات حاشدة في بغداد والبصرة بلغت 22 اجتماعاً حضرها بضعة آلاف من المواطنين. وكسبت المنظمة موقعاً جماهيرياً بين المكون اليهودي بحيث أصبحت الوجه العلني لهذا المكون.iraqjewsantizionism

لقاء مشترك لأعضاء الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني وأعضاء الهيئة الادارية لعصبة مكافحة الصهيونية من اليهود الشيوعيين العراقيين؛ من الموجودين في الصورة ؛ عبود حمزة (3)، محمد على الزرقا(4)، يوسف هارون زلخة، رئيس العصبة(5)، محمد حسين ابو العيس(6)، حسين محمد الشبيبي(7)، سالم عبيد النعمان (8)، محمود صالح السعيد(9)، يعقوب مصري، سكرتير العصبة(10)، شريف الشيخ(11)، مسرور صالح قطان، هضو الهيئة الإدارية للعصبة(12)، جميل حبيب(13)، يعقوب نسيم(15)، نعيم يشوع، من نشطاء العصبة(16)، فؤاد بهجت(17)، ابراهيم شاؤول(24)
ويعد تشكيل “العصبة” نقطة عطف في انغمار المكون اليهودي في النشاط الوطني العراقي بعد أن كان هذا المكون يتردد في المشاركة في النشاط السياسي العام. وحين حلَّت الذكرى الثامنة والعشرون لصدور وعد بلفور (2/11/1945)، أصدرت العصبة بياناً، ضمَّنته استنكارها هذا الوعد. وجاء في البيان أن “الاستعمار يستطيع أن يتكرم بفلسطين، مئات المرات، طالما أنها ليسـت بلاده، وطالما أنه يجـد في ذلك ربحـاً له ومغنماً”. واعتبر البيان غاية الاستعمار وعميلته الصهيونية من (وعد بلفور)، تحويل “نضال العرب، الموجَّه ضد الاستعمار، نحو جماهير اليهود، وبذلك تخلق منهم حاجزاً يختفي وراءه الاستعمار، ولو كان المستعمرون يعطفون، حقاً، على اليهود لعاملوهم معاملة طيبة في أوربا”.
استشعرت الفئة الحاكمة الخطر من الطابع التقدمي والإنساني للعصبة ونشاطها، ومن تبلور ملامح الوحدة الوطنية لكل أطياف الشعب العراقي، سواء تلك التي تجلت في إطار النشاط العام للحزب الشيوعي العراقي أو في إطار نشاط عصبة مكافحة الصهيونية المكرس لفضح الصهيونية ومآربها ضد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وما أن بادرت المنظمة وبدعم من الحزب الشيوعي إلى القيام بمظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في 28 حزيران عام 1946، حتى تعرضت المظاهرة إلى القمع والقسوة من أجهزة الأمن، مما تسبب في استشهاد أول شهيد شيوعي في العراق وعضو عصبة مكافحة الصهيونية وهو الشهيد شاؤول طويق. كما جُرح عدد كبير من المشاركين في المظاهرة السلمية. وإثر ذلك أعلن الحظر على نشاط العصبة وأوقفت صحيفتها “العصبة”. وأحيل المشاركون في هذه الفعالية إلى القضاء، وأصدرت محكمة الجزاء في يوم 15/ 9/ 1946 قرارها بالحكم على كل من ” يعقوب مصري ومسرور صالح قطان بالحبس الشديد لمدة سنة واحدة، وعلى كل من خليل نصيف بالحبس الشديد لمدة ستة آشهر وعلى كل من سامي ميخائيل وعمانوئيل بطرس بالحبس البسيط لمدة ثلاثة اشهر وذلك وفق المادة 89 بدلالة المواد 78،53،54 من ق.ع.ب.

يعقوب مئير مصري (عادل مصري) في الأسر
كل هذه الممارسات القسرية هي تعبير عن “الجزاء” الذي حصده الحزب الشيوعي العراقي جراء مواقفه المساندة للحركة الديمقراطية المناهضة للصهيونية ودفاعه عن عصبة مكافحة الصهيونية وتضامنه مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. كما أصدرت المحكمة حكمها بالسجن المؤبد على يوسف هارون زلخة، مدعية أنه يترأس عصبة للكفاح من أجل الصهيونية لا ضدها. فيما كانت الحكومة العراقية تعجل بتهجير زهاء مائة وثلاثين ألف يهودي من العراق إلى فلسطين المحتلة، مقابل عشرة دنانير عن كل مهاجر يصل إلى هناك، تدخل جيوب متنفذين في الحكومة العراقية.
إن موقف الحزب الشيوعي العراقي تجاه القضية الفلسطينية، و تبنيه لتأسيس عصبة مكافحة الصهيونية ما هو إلا امتداداً للموقف الثابت لليسار العراقي في التضامن مع الشعب الفلسطيني و حقوقه المشروعة. فعلى الرغم من كل التشويهات والتهم التي وجهت ضد اليسار والحزب الشيوعي العراقي بالذات بقدر ما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن هذه المواقف ليست بالطارئة، بل لها جذور تعود إلى العقود الأولى من القرن العشرين. وقد أشار الباحث اللامع حنا بطاطو في مؤلفه الشهير ( الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية الحديثة في العراق (الذي نشر عام 1978، إلى المظاهرة التي نظمها اليسار العراقي في شباط من عام 1928 في بغداد تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتنديداً بزيارة ألفريد موند الموالي بحماس للحركة الصهيونية، وجاء في المؤلف:” وكان السير الفرد موند هو السبب المباشر للمظاهرة. وكان موند مؤيدا بحماسة للحركة الصهيونية»، وأضاف: «وعشية وصوله عقد نادي التضامن اجتماعا مستعجلا توالى خلاله كل من حسين الرحال ويوسف زينل على اقناع زملائهم بان النية الحقيقية لموند هي اقامة مستوطنة صهيونية في العراق. واقترح الاثنان تنظيم مظاهرة، وتمت الموافقة على الاقتراح فوراً. وعندما بدأ الطلاب في اليوم التالي مسيرتهم عبر المدينة لحق بهم جمع كبير من الناس، وما كاد المتظاهرون يصلون الى محطة السكك الحديدية حتى تضخم عددهم ليفوق العشرين الفا. وكانت تنتظرهم هناك قوة من رجال الشرطة بادرت الى تهديدهم وإصدار الاوامر لهم بالتفرق.. وبدأت المواجهة عندما رفض المتظاهرون مغادرة مكانهم”، علماً أن نادي التضامن قد تأسس عام 1926 من قبل ناشطين يساريين من بين أبرزهم حسين الرحال، يوسف زينل ، محمود احمد السيد، زكي خيري، حسين جميل، عبدالله جدوع، محمد سليم فتاح، عاصم فليح، مهدي هاشم، مصطفى علي، عوني بكرصدقي، عبدالفتاح ابراهيم، عزيز شريف، عبد القادر اسماعيل، ابراهيم القزاز، وآخرون.
لقد لعبت عصبة مكافحة الصهيونية خلال عمرها القصير دوراً مؤثراً في تعبئة المكون اليهودي في العراق كي يتوخى الحذر من الوقوع في فخ التآمر الصهيوني ضد العرب واليهود على حد سواء، وبث روح التآخي والتضامن بينهم لمواجهة مخططات عدوهما المشترك. وأحبطت المنظمة قبل حظر نشاطها مخططات الوكالات الصهيونية والحكومة العراقية الموالية لبريطانيا لتهجير اليهود العراقيين إلى فلسطين. ويورد الفقيد يعقوب مصري لكاتب هذه السطور أن الوكالات الصهيونية لم تستطع جمع إلاّ بضع مئات من التواقيع من اليهود العراقيين للهجرة إلى فلسطين، من بين ما يزيد على 150 ألف مواطن يهودي عراقي قطن العراق قبل الهجرة القسرية لليهود العراقيين إلى فلسطين. ولكن مع إعلان الحظر على نشاط عصبة مكافحة الصهيونية وغلق صحيفتها والشروع بشن حملة واسعة ضد الحزب الشيوعي العراقي والقوى التقدمية والديمقراطية، فتحت الأبواب أمام القوى المعادية لمد المنظمات الصهيونية بالقوة وبالذريعة من أجل التسريع بعملية تهجير اليهود إلى فلسطين. وهذا ما أقدمت عليه الحكومة العراقية وحكومات عربية وبدفع من الدول الغربية، إضافة إلى موجة أعمال التخريب والتفجيرات التي نفذتها المنظمات الإرهابية الصهيونية ضد المؤسسات اليهودية في العراق، وبفعل الضغط الذي مارسه التيار القومي والديني المتعصب في العراق والبلدان العربية لتهجير اليهود إلى فلسطين.
إن المبادرة التي أقدم عليها الحزب الشيوعي كانت فريدة في العالم العربي والعالم أيضاً. إلاّ أنها أضحت مثلاً احتذت به احدى التنظيمات الشيوعية في مصر، وهي المنظمة السرية الشيوعية “الشرارة”، التي كلفت الفرع اليهودي في المنظمة بالعمل على تأسيس “الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية” في أواسط عام 1946. وقد لخصت أهدافها “في محاربة العنصرية، ومكافحة الاستعمار، وربيبته الصهيونية”. ودعت الرابطة إلى “تكتيل جميـع العناصر الوطنيـة المخلصة، لتحطيم الاستعمار، وقهـر الصهــيونية، وإيجـاد شرق عربي حر مسـتقل، يظلله التسـامح، وجو الأخـاء المطهر من العنـصرية العصبية المقيتة، التي لن يكسب من ورائها سوى الغاصب المحتل”. وأسست هذه المنظمة فروعاً لها في القاهرة والأسكندرية وقامت بحملات دعائية ضد الصهيونية في أطراف القاهرة أيضاً. وتزعم هذه المنظمة عزرا هاراري، وكان من بين قادتها مارسيل اسرائيل وأدوارد ماتالون وأدوارد ليفي وهانزيم كاسفلت. وقد تم في أيار عام 1947 القبض على جميع أعضاء الهيئة المؤسسة لهذه المنظمة، إلى أن تم حلها في عام 1948.
16/4/2016

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.