تعقيباً على مقال للدكتور كمال اللبواني‎

mohamedbarziاللبواني ……. وماذا بعد
الدكتور كمال اللبواني …. من طبيب إلى سياسي إلى معارض إلى محاور إلى مفاوض إلى ناقد إلى موجه إلى منظّر .. إلى أن حطّت به الرحال ليكون واعظاً وشيخاً وداعية .. و لِمَ لا .. فكل الأدوار التي مثلها سابقاً لن يجد فيها لقباً واحداً يميّزه عن غيره كما سيحظى بألقاب وخاصة عندما يحاول الإبحار على موجة شيخ أو داعية أو واعظ معاصر ففي هذه المهن من الألقاب مايحلم بعشرها عباقرة العالم .
وهنا يطرح السيد لبواني سؤالاً بمنتهى البساطة ودون أن يجد له جواباً شافياً جامعاً مانعاً ثم يدرج السؤال على لسان طفل فيقول : ماهي الملائكة ؟
وقبل الخوض في معمعة هذا السؤال المحرج والخطير سأذكر السيد لبواني ماقرأه هو في اول مرحلة الدراسة الاعدادية بأن الملائكة هي ( مخلوقات نورانية لايوصفون بذكورة ولا بأنوثة يفعلون ما يؤمرون ولا يعصون الله شيئاً )
ولكن عندما بلغ السيد لبواني سن الرشد تبين له بأن هذا التعريف هو ( كلاماً عامّاً منقولاً لايطابق أي شيء مما تعرفه وتشعر به ويمكنك عقله ) بعدما فات اللبواني بأن الملائكة غيب والغيب لا تدركه الأبصار ؟
ثم يتعثر في تعريفه لأركان الإيمان بقوله ( البند الثاني من أركان الإيمان ) وانا هنا أرهقت نفسي وأنا أبحث عن بنود للإيمان فلم أجد سوى خمسة أركان بلا بنود ! ثم يردف ذلك بطرح قضية سأضطر مؤقتاً الى التوقف عن البحث فيها ريثما أتمكن من معرفة قصده في قوله ( يديمون عرش الرحمن )
ثم يتساءل باختصار ومن دون الدخول في الجدل البيزنطي عن ( جنس الملائكة ) والذي أتقنه طالب المرحلة الاعدادية قبل دخوله إلى المرحلة الثانوية ؟
ثم يبدأ بفتح باب الخلط المنظم في تعريفه الحداثي للملائكة بقوله ( مستنداً إلى تطور معارف اليوم بأن الحديث يتم عن القوانين الناظمة للوجود ، فكلمة قانون العلمية الحديثة تطابق في مدلولها المعرفي – ملاك الدينية – ) ويعلل ذلك بكلام أنا بصراحة لم أستطع فهم رموزه وخاصّة عندما يستشهد ( بنظرية الكموم الطاقيّة المكونة نوعياً للمادة ) وهنا أعاد لذاكرتي تلك المقالات التي كان يكتبها الدكتور جواد بشارة تباعاً في موقع ايلاف عن نظرية الكموم وبداية الكون ؟
ثم يعرّف الإيمان بالملائكة بقوله ( فالإيمان بالملائكة يعني الإيمان بوجود النظام السابق والحافظ للوجود ، النظام والكلمة كشيء افتراضي ) وهنا وللأمانة العلمية بحثت في الويكيبيديا عن معنى ماهية ( النظام السابق والحافظ للوجود ) والهدف من ذلك كي أستطيع مجاراة المقال فيما يطرحه من أفكار ، فكانت النتيجة الوحيدة التي ذكرتها الويكيبيديا هي ما انفرد السيد اللبواني بذكره عن المطلوب في مقالته هذه ؟
ثم ينتقل الى تعريف الفلسفة بقوله ( إن الفلسفة ليست المعرفة بالواقع بل هي معرفة هذه المعرفة : نظاماً ومنطقاً وتوظيفاً )
ويعرّج بعد ذلك على الدين فيعرّفه بقوله ( أما الدين فهو منظومة استنتاجات فلسفية متكاملة عن الوجود وعلاقتنا به أي أن الدين تعريفاً هو منظومة معرفية فلسفية وقيمية غير منقطعة عن سياق المعرفة والتفكير العقلي ..)
وماذكره في تعقيبه على هذه التعاريف للفلسفة والدين .. أعادني وحرّض ذاكرتي بالعودة إلى تلك المقالات التي كان ينشرها الدكتور جواد بشارة عن الكون وأبعادة ونظرية الكمومات التي كانت تحيط به والتي كانت كالتنقيط لكلمات مقالاته يومها ؟
ثم ينزلق الى منحدر خطير ودون احتياطات منه في قوله عن الملائكة ( ….. لها أيضاً ملائكتها التي تتحكم بحركة الأحداث والتغيرات ، فلا تغير نظام الكون الثابت بل تتحرك ضمن خياراته وتحول الأحداث فيه من مجرد صدفة عبثية لاختيار حر وعمل مقصود له نظامه أو غاياته ، والملائكة المقربون مثل ميكال وعزرائيل وجبرائيل وكذلك ابليس كنظم وقوانين للرزق والموت والمرض والوحي والشر …)
ثم لا ينسى أن يأتي بعد كل مايقوله بآية من القرآن الكريم لاعلاقة لها بمضمون قوله ولكن المفاجأة كانت هنا أيضاً ؟
فمن يتكلم عن الملائكة والمعرفة والفلسفة والدين ونظرية الكموم وعن وعي الوجود ومفهومي تحليليين أساسيين الثابت والمتحرك … هل يعجز بعد كل ذلك عن تعريف الخالق ؟ فيستعين بأبو الأعلى المودودي الذي يعرّف الخالق – سبحانه وتعالى – معرفة منقسمة فلسفياً بقوله ( معرفة الله كرب خالق سيد حاكم – وإله قريب مجيب مبدع فاعل ) ولا أدري هل اعتمد بنقل هذا التعريف عن لغة المودودي الأم ؟ أم عن ترجمتها ؟ وهل راعى السيد لبواني مايعرف ب ( الفاقد في الترجمة )
وهنا أيضاً ينزلق مرة أخرى منزلقاً لا يليق بكاتب يدرك ويعرف مايكتب ؟ وهذا مما أثار حفيظتي وجعلني أشكك إمّا في قدرتي على فهم ما أقرأ ؟ وإمّا أن السيد لبواني ينقل مالا يستوعبه أو يدركه أو أنه يقوم بتجميع كلمات وجمل لارابط بينها ثم يؤلف بينها في مقال يجمع كلماته وجمله قسراً ؟ لأنه هنا ينفي صفة الإيمان عن الإيمان نفسه ؟ فكيف نفسر مايقوله وبالحرف الواحد ( لا يمكن بناء إيمان حقيقي – ليس مجرد تصديق – من دون ربط وثيق بينه وبين العقل والفلسفة وبينهما وبين اساسهما أقصد المعارف والعلوم )
فالإيمان هو – التصديق بالغيب – وهذا يختلف عن العلم والذي هو مشاهدة حسية ؟ يقول الله تعالى عن الإيمان والذي هو التصديق بالغيب الذي أخبرنا الله عز وجل عنه بقوله ( ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) فالغيب هو الذي نصدق به دون أن نراه ، وهذا هو الإيمان .
ولكن هذا الإيمان نفسه لم يعد إيماناً بعد مشاهدة الغيب عياناً ؟ لأنه سيصبح علماً اضطرارياً بالشيء وليس ايماناً به ؟
وذلك قوله سبحانه وتعالى ( كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال – أعلم – أن الله على كل شيء قدير ) قال أعلم ولم يقل آمنت ؟ لأنه شهد عملية الخلق .
وبعد ذلك لم يكن من بد للسيد لبواني إلّا أن يصرّح علناً وبدون مواربة عن مقصده وبما يريده من هذا المقال الذي حاول تمرير ذلك المقصد من خلال العبث بتركيب بنية الكلمة وليّ عنقها وتحميلها مالا تحتمل من المعاني ؟ وذلك يبدو واضحاً في قوله
( فننفتح بوعينا بعد الإطلاع على التطور العلمي والمعرفي والفلسفي الهائل على وعي جديد – وتفكير جديد – في معاني كلمات مثل : جبريل وابليس وعزرائيل والكتاب والقرآن والوحي والتنزيل والقضاء والقدر و و …… )
لكنه جاء متأخراً … وفاته الركب … بل وعلى قول بعضهم : فاتك الغطار ؟ وخاصة في هذا الموضوع المستهلك الذي بدأه السابقون بالأمس ويجترّه المعاصرون اليوم .. وكل ذلك كان تحت شعار التجديد والتحديث والمعاصرة … ولكن لا جديد ..؟
فهذا الاسلوب ونمطية وصياغة هذه الكلمات أشبعها بحثاً وكتابة الدكتور جواد بشارة .. وأما من حيث المضمون فكما قيل في سفر الجامعة ( لا جديد تحت الشمس .. ) فكل الكلام قد قيل وكل مايقال اليوم هو اجترار لما قيل … ولا جديد ..؟
كنت أربأ بالدكتور كمال لبواني وأنا أكن له كل المودة والتقدير أن ينزلق الى مثل هذه الأفخاخ .. التي وقع فيها السابقون ولحق بهم المعاصرون وأضافوا لذلك مالم يجرؤ عليه اسلافهم ؟
ولم أتصور يوماً أن يصل الأمر بالسيد لبواني أن – يعرج أمام أفكح – لأن هذا هو الشيء الذي سيقف حائلاً أمامه من تحقيق مآربه ؟ لان اعتزاله الطب والسياسة ولحاقه بركب الدعاة والوعاظ ؟ لن يجديه شيئاً سوى الضياع الذي سيعانيه ويقطف ثماره في يوم من الأيام ؟
فكيف لي أن أفهم قوله ( وفي مدارس الشريعة المرور بطريقة متسرعة فوق أركان الإيمان والاعتماد فقط على النقل وحده والتركيز تعويضاً على أركان الاسلام والشريعة من دون التفكير بالعقيدة ، وباعتماد التصديق المباشر بدل التفكير النقدي……..) ؟
هل يوجد مسلم على وجه الخليقة يادكتور كمال يمكن أن يفكر تفكيراً نقدياً بدينه ومعتقده وملاذه وإيمانه الذي توصل اليه نتيجة بحث ومقارنة وفهم وادراك …. وبعد ذلك آمن وصدّق والتزم قول الله سبحانه وتعالى ( وماكان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً )

إظهمزمن الت

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.