الوهّابية إلتباس المصطلح وتجنّي الآخر !

salmankingمازلت أتذكّر كلمات الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله في أحد لقاءاته عندما قال: (يطلقون علينا إسم الوهابيّة نحن لسنا وهابيين نحن نتّبع الكتاب والسّنة وماكان عليه السّلف الصّالح ومحمد بن عبدالوهاب رحمه الله عالم قام بمهمة تجديد الدّعوة لتبصير النّاس بما دخل عليهم من أمور دينيهم).
وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله نقلا عن الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز : (يسمّوننا وهابية على أنه مذهب خاص لكي ينفّروا الناس من الدّين ،وهذا كذب نحن لسنا أصحاب مذهب جديد ونحترم الإئمة الأربعة) .
وبالتالي لم تكن الوهّابية سوى مصطلح إخترعه خُصوم الدّعوة السّلفيّة من الصفويين وتم إسقاطه عليها ،ليتم ربط الّدعوة الإصلاحية بالحركة الوهّابية التي أسسها الإباظي عبدالوهاب بن رستم من (الفرس) المتوفّى بالشمال الأفريقي عام ١٩٧هجرية بينما ولدالمجدّد الشيخ محمد بن عبدالوهاب عام ١١١٥هجرية وهي دعوة (محمدية) إصلاحية نهض بها آل سعود الكرام ،عندما رأوا أنها عَودة لجوهر الدين الحق ،والتوحيد النّقي من الشّرك ،الذي هو دعوة كل الأنبياء من آدم عليه السلام إلى نبي الرحمة والسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ،وهذه الدّعوة كانت بحاجة إلى قوّة سياسيّة، وذراع عسكري يؤسس لمنظومتها القِيميّة ويلبّي متطلباتها في إرساء دعائم العدل والخير ،فكانت الدولة السعودية بمراحلها التاريخية هي أس الدّعوة وحاضنتها كمنهج ربّاني بماقضى الله ورسوله سَلفَا ،وليست بدعا من تلقاء نفسها ،ونهض بها أمراء آل سعود كابرا عن كابر كواجب قومي عربي ،يؤسس لوطن مجيد ،في ظل تجاذبات أطماع الشرق والغرب ، وتحقيق نصرة للدّين ،وحفظا لأرواح الناس ، ووحدة الأرض .
وفي الشأن السّياسي وتكوينات الدول فهي ليست مجرّد (حركة) يديرها رجال الدّين وفق مفهوم (الكثلكة) في العصور الوسطى ،والتي قتلت أكثر مماقتلته الوهّابية كما يزعمون ومن يدعي أنه إمتداد لها في كل حروبها الخارجية أو تلك التي توجّه للداخل من الخارج عندما يحاول البعض الخروج بها من عقال الدولة /المؤسسة ويحرفها نحو (الفوضى ) لكي تتلبّس بفكرة جهاد الكفار ، وهوس الغنائم والسّبي ،ولكن الدولة الراشدة تبقى هي الأساس وركيزة الحق بين الغالي والمفرط ،ولهذا كان ولاة الأمر على مدى التّاريخ السّياسي للدّولة يصطدمون مع الفكر المغالي الذي يهدم ولايبني ،الأمر الذي يعتقد معه بعض المحللين -وهْماً -أنّه يخرج من رحم الحركة الدينية السّلفية ،ويتهمون على ضوئه الدّولة بأنها دولة وهّابية ،بينما الدّعوة قد يدخل إليها بعض التّيارات والأفكار مستفيدة من الجو العام للدعوة وحب ولاة الأمر لكل مامن شأنه خدمة الإسلام كماحدث عندما تسلل لها (أخوان) الخارج ،وكما تسللت لعقول بعض أبناءها مستنسخات كتب دعاة الفكر الجهادي ، ككتب المقدسي وتنظيرات شيوخ القاعدة ،وتأثيرات الإستفادة من فضاء التواصل الإجتماعي ، لهذا فكل الذين اعتنقوا الفكر المتطرف ومنظريه لم تكن لهم سابقة الدراسة بمدارس الدولة أو جامعاتها ، لكي يتم إتهام المناهج وأن كل (إرهابي )واقع تحت تأثير المدارس الدينية ،وكلنا درسنا بتلك المدارس والجامعات ولم نتلبس بهذا المد الشيطاني .
وسبق أن قاومت الدولة هذا الفكر (الوافد) منذ أيام المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في وقعة (السّبلة ) المعروفة عِندما تصدّى (الأخوان ) لمشروع الدّولة ويريدون أن يقوموا بسحبها للخلف نحو التعاطي (الحركي ) الذي يجعلهم بمواجهة الدّولة ويرون أنهم بوصلة التّوجيه الاجتماعي والسياسي والإقتصادي ،في نظرة تنم عن قصور فكري ،لايتطلع لبناء دولة قويّة تحافظ على منجزاتها وفق مقاصد الشريعة وأطرها العامة ، دولة حقيقيّة تتقاطع مصالحها مع الآخرين وفق مفاهيم النّظم العالمية للكيانات السّياسيّة ،الأمر الذي يستحيل معه أن يبقى الفكر الديني للدّولة جامدا ،بل تتحرك الدولة والدّين في فلك رحب يسع الجميع ،ومع هذا ظهرت وستظهر في كل مراحل تطوّر الدولة السياسية ،والثقافية جيوب مقاومة للدّولة في محاولة لثنيهاعن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها ومحاولة عرقلة (العقد الإجتماعي) الذي يرسخ السلم ،والمواطنة في ظل الإطار العام لشرعيتها الدّينية وتمسكها بقيمها السّلفية ،وهو ما لايتعارض مع كون الدّولة مؤمنة حتى لوقامت تلك الجيوب بمحاولةْ سلب الرّداء الدّيني عنها كماهو حال الحركات العنفية، كالجهيمانية من قبل ،والقاعدة ،وداعش من بعد ،فلايمكن الجمع بين فكر الدولة ،وفكر أولئك ،وهؤلاء ونقول أنهم أتوا من رحم (الوهابية) بزعمهم ،والتّي هي حركة إيمان وبناء وإصلاح، وأولئك أتباع منهج تدميري يفسد ولايصلح ،فالدولة مازالت كما كانت في حالة قتال دائم مع هذا الفكر الذي كلما يتجدد ويلبس ثوبه الجديدالقاعدي ،والداعشي ومن لف لفه من حركات الإسلام السّياسي ،وليس ذنب الدولة ولا الحركة السّلفية أن يخرج منها من يستنبطْ النّصوص وفق هواه ويقف بوجهها كماوقف(ذو الخويصرة )أمام النّبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له (إعدل يامحمد ) فهل نقول أن ذا الخويصرة ،وتطبيقات أتباعه من بعده هي الإسلام الذي ظُلم على يد من يكثرون الحديث بإسمه وهم يبتعدون عنه بنفس المقدار ،وهل نقول أن الدّعوة السلفية التي شيوخها هم من (رموز الدّولة) هي داعش أوالقاعدة ،وقد دأبتا على تكفيرالعلماء الأجلاء وأكل لحومهم في خطاباتهم التّحريضيّة، لأنهم مع مفهوم الدّولة التي لم تلبس إيمانها (بظلم) ،بل ويستبيحون دماءهم ولايؤمنون لا بالدولة ،ولامنهجيّة الحكم ولا بالعقد الإجتماعي ولاحتى القيم الإنسانيّة العالمية، ويصنفون الناس على أساس أن ماعداهم كفرة ،ومرتدين والشعوب إما سبايا ،أومسحوقين في السّاحات ،وهذا غير منهج الدّعوة السلفيّة التي حفظت حقوق الناس وإستأمنوها على أموالهم ،وأعراضهم في إطارها التنظيمي ،وتطبيقاتها العادلة ولن يضرها إذا خرج من يدّعي أنه من أبنائها وقد أوغل في الدّين بلارفق حتى أصبَح كالمنبت الذي لاظهرا أبقى ولاأرضا قطع .
بقي القول أن قتل الناس لبعضهم هو من سنن الكون وإن تعددت راياته لحكمة يعلمها الله، ولاذنب للأديان ولا الرسل، ولاالصالحين يد فيها فمذابح الكاثوليك والبروتستانت لايد للمسيح عليه السلام فيها ، ومذابح إسماعيل الصفوي بحق السنة، ومذابح عباس العظيم العثماني بحق الشيعة ليس للإسلام بها ناقة ولاجمل .
فقط يمكن القول أن الشّعوب ستعيش بسلام حضاري عندما تؤنسن معتقداتها لتكون رحمة ومحبة ، وتخرج من أدبياتها الدّينية الترقيع لدعاة التوّحش وإستجلاب أفكارهم لتدمير النّاس .
عمري الرحيل

About عمري الرحيل

شاعر سعودي من عرعر شارك بمسابقة شاعر المليون في الإمارات له عدد من المشاركات والكتابات له ديوان شعري بعنوان(السهر نام بعيوني) صدر عن طريق هيئة ابوظبي للثقافة والسياحة استعد لاصدار رواية (فكرية )
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.