حسن.. وماذا نفعل بالشيعة إذا؟

لوحة الجورنيكا لبيكاسو

لوحة الجورنيكا لبيكاسو

لي صديق له إبن يبحث عن وظيفة. عمره 25 عاما. عربي إبن عربي إبن عربي.. وجامعي جامعي جامعي. عجز ان يجد وظيفة ولو عامل سنترال في أكثر من دولة عربية لسبب واحد.. انه شيعي.
إنها قصة تتكرر من جديد.
كان المسيحيون الأقلية الثانية (بعد اليهود كطوائف دينية) حتى منتصف القرن العشرين. مع ذلك ادركوا بعض المناصب، فكان منهم الرئيس ورئيس الوزراء والوزير. لم تلبث الصورة أن تغيرت. وعوضا ان نصبح اكثر انفتاحا على الأخر، بات ما كان مشروعا للمسيحيين كمواطنين اليوم، لا يرقى الى نصف طموحاتهم بالأمس. مع ذلك، بقوا افضل حالا، حتى الآن على الأقل، من الآخرين.. والآخرون هم الشيعة.
عاشوا شبه مهمشين، حتى في الدول التي تجاوز وجودهم فيها مسمى الأقلية، كلبنان مثلا. ما دفع بهم الى سلسلة هجرات نحو الخارج بحثا عن حياة افضل وكرامة تؤكد انهم جزء من بشر خلقهم الله. عاد اكثرهم كأصحاب ثروات ومهارات اتقنوها في المهجر. مع ذلك، ومع أنهم أقلية كانت تجنح دوما للسلم والمهادنة، بقوا في خانة الروافض الكفرة، كما يصفهم كثير منا صراحة او ضمنا.
فكان أن زادت عزلتهم، وساهمت الدعاية المباشرة او غير المباشرة، في النيل من قدرهم، باعتبارهم بثرات مؤذية وجب التخلص منها او على الأقل عزلها عن باقي الجسد. لقد ساهمنا، بقصد او غير قصد، الى دفع الكثير منهم باتجاه بوصلة إيران بإدعاء انها حامية الشيعة في العالم.
الشيعة في العراق، في السعودية، في لبنان، في سوريا، وفي اليمن، كانوا دوما جزءا من وطنهم وترابه الذي منه أتوا وإليه سينتهون.. لكنا أوغلنا في الخطأ، فلم نلبث ان تجاوزنا تهميشهم الى التشكيك في وطنيتهم!
إن نظر بعضهم إلى إيران، إنتظارا لعطف أو دعم، فما ذاك سوى النتيجة، أما السبب فهو نحن.
وها نحن اليوم نكرر الخطأ.
فكثير من الدول العربية، حتى التي عرفت دوما بالإعتدال، باتت تأخذ موقفا من كل شيعي اليوم بحجة الأمن.
ممنوع ان يدخل البلاد. ممنوع ان يعمل في البلاد. ممنوع ان يشتم هواء البلاد. أين يذهب إذا؟
الحائط الذي شيدناه بيننا وبينهم.. ما يزال يرتفع كل يوم.
نعم .. من حق كل دولة الدفاع عن أمنها. لكني أرى اليوم ان جزءا من هذا الأمن هو كسب ولاء الشيعي العربي دون ابداء الشك فيه وخلق حالة من الريبة تفاقم الوضع سوءا. كثير من المؤسسات السياسية العربية تفترض سوء النية حتى في مواطنيها العاديين، فبات المواطنون بكل تنوعاتهم يفترضون سوء النية في كل من اختلف معهم في كلمة أو رأي او تاريخ.
تخيلوا شابا عربيا شيعيا يحمل مؤهل جامعي لا يجد وظيفة في أي دولة عربية أو خليجية.. ماذا نتوقع منه إذا؟
في الغرب، يدفعون مالا للعاطل عن العمل ليس حبا فيه، بل خوفا من أن يخرج على القانون والوطن عندما تغلق أبواب الرزق أمامه. ونحن نفعل الشيء ذاته اليوم بغلق الأبواب أمام أبنائنا الشيعة دون ان نعطي او نساهم في بناء حياة كريمة لهم ولو في حدها الأدنى.
لا بد من برامج توعية حقيقية تعزز مفهوم المواطنة. لا بد ان تصل الرسالة واضحة لكل فرد عربي منذ ولادته، تقول له بأن من يختلف عنا مذهبيا، ليس عدوا، ولا خصما، بل هو مواطن أولا وأخيرا. وحتى إن لم يكن من أبناء الوطن، فهو عربي مسلم وإن اختلف معنا في رؤيته للتاريخ. عندما تحرم ابنك من رعايتك، فلا تتوقع ان ينشأ وهو يحمل لك الذكرى الجميلة.
نحن نقدم خدمة جلية لإيران، خدمة عظيمة، عندما نمدها بوقود تريده أن يشتعل في أرضنأ. ليكن هذا الوقود لنا لا علينا. ليكن أبناؤنا لنا لا لغيرنا. وإن ارتأى البعض ان الوضع في اليمن وسوريا والعلاقة المتوترة مع إيران تحتم التحوط والحرص من شيعة العالم العربي من خليجه الى خليجه، فأنا أقول أنه الوقت الأمثل لنكون أكثر حبا وكرما مع شيعتنا العرب مهما اختلفت مذاهبهم ومعتقداتهم.
nakshabandih@hotmail.com

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.