عندما اجتاحت اليابان «ممتلكات» أميركا ووجودها في شرق آسيا وجنوبها، خلال الحرب العالمية الثانية، أمر الجنرال دوغلاس ماك آرثر الأميركيين المنسحبين بكتابة عبارة «سنعود» في كل مكان يغادرونه، حتى على علب الكبريت الفارغة، وذلك من قبيل الحرب النفسية.
وعندما عادت أميركا بقوة إلى المنطقة المذكورة، وضعتها تحت مظلتها إلى الآن. وكان على الرئيس هاري ترومان أن يقنع الجنرال، بعدم إعدام الإمبراطور هيروهيتو. وعندما ألح الجنرال على استخدام القنبلة النووية ضد الصين في الحرب الكورية، اضطر ترومان الذي استخدم هو نفسه القنبلة المخيفة ضد اليابان، إلى تسريح الجنرال العنيد. فجرى له استقبال شعبي حافل في نيويورك، إلى درجة راجت شائعات آنذاك، بأن الجنرال كان قادرا على القيام بانقلاب عسكري ضد ترومان.
هل كان الشاعر نزار متأثرا بدعاية «عودة» الأميركان، عندما روى حكاية حب لم يكن بطلها، في قصيدته الغنائية الشهيرة «ما أحلى الرجوع إليه»، تماما كما هي أميركا الراغبة في الرجوع إلى المنطقة العربية، و«براءة الأطفال في عينيها، وكأن شيئا لم يكن»؟!
في الجواب، فالشاعر مات ولم يسله أحد. المهم أن أميركا عائدة إلى الشرق الأوسط. فما أحلى الرجوع إليه! على الرغم من أنها ما زالت سيئة السمعة فيه. فقد شوهتها حليفتها إسرائيل، باحتلالها الدائم للفلسطينيين. وانتهزت إيران الفرصة، فروجت ثقافة الكراهية لأميركا. لكن العرب الذين يمارسون كره أميركا علنا، يرغبون سرا بعودتها، لظنهم أن بإمكانها إنقاذهم من الفوضى والحروب التي تجتاحهم.
وإذا كانت حكايات الهجر والوصل في الحب، لا تروى غالبا في الصحافة العربية، لخصوصيتها الشديدة في مجتمعات محافظة. فما أسهل أن تروى حكايات الحب والكراهية في السياسة! فكل شيء فيها متاح ومباح. فهنا تلعب المصالح، لا العواطف، الدور في العلاقة بين دول عاجزة عن تمثيل وتقليد العشاق.
ما زالت الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة، هي التي تتخذ قرار الحرب والسلم. وهذه الطبقة هي الراغبة في العودة السياسية والعسكرية بقوة إلى المنطقة العربية، على الرغم من أن رجل الشارع الأميركي، وخصوصا طلبة الجامعات، لا يرغبون في توريط بلدهم مرة أخرى في المنطقة. ويقف الرئيس باراك أوباما إلى جانب الرأي العام. لكن أوباما في نهاية ولايته الثانية بطة عرجاء. كل ما تستطيع أن تفعله هو عرقلة العودة، ريثما يتم انتخاب رئيس جديد (2016 / 2017).
يفلسف أوباما استراتيجيته الفاشلة التي أعلن عنها في أوائل العام الحالي. وجدد تأكيدها في لقائه الأخير مع زعماء دول الخليج، بانهزامية واضحة. فيتحدث عن محدودية قدرة أميركا على صياغة الأحداث العالمية. ويقول إن أزمات الشرق الأوسط «ليست لها نهايات سريعة وسهلة».
لكن لا بد من الاعتراف بأن أوباما نجح في استخدام تقنية الحرب الحديثة (طائرة درون. وقوات الكوماندوس. والتنصت الإلكتروني) في دفن ابن لادن في البحر. وتهميش «قاعدته». بتصفية زعمائها في الصومال. واليمن. وأفغانستان. وباكستان. باستثناء سوريا وليبيا، حيث تنشط جبهة «النصرة» وما يماثلها من التنظيمات «القاعدية». ثم إجبار الحوثية، تحت المطرقة السعودية الجوية، على الإعلان عن الانسحاب من المدن اليمنية. وحضور مؤتمر جنيف الدولي، في الشهر الحالي، للبحث في تسوية سياسية، تنقذ اليمن من التدخل الإيراني عبر الحركة الحوثية.
من هم دعاة التدخل الأميركي السريع في المنطقة العربية؟ إنهم المرشحون المتنافسون في الحملة الانتخابية الرئاسية. وأولهم هيلاري كلينتون أبرز المرشحين. وأكثرهم شعبية وحظا في الفوز. ثم هناك المنافسون الجمهوريون لها الذين يدعمهم السناتوران البارزان ليندسي غراهام. وجون ماكين.
جعل هؤلاء جميعا التدخل في الشرق الأوسط، قضية انتخابية إلى جانب القضايا الداخلية. وهم يضغطون بشدة على أوباما، لاستباق التدخل الإيراني، بإنزال قوات أميركية في العراق وسوريا مؤلفة من قوات العمل خلف الخطوط (كوماندوس). وهدفها أولا «داعش». التي أخفق القصف الجوي، في وقف تقدمها في البلدين.
يحدد ماكين وغراهام هذه القوات بعشرة آلاف جندي. لكن هذا العدد غير كاف لمواجهة التطورات الدرامية في المنطقة، بعد فشل الهجوم الشامل الذي شنته قوات بشار ومرتزقة «حزب الله». وتخليها عن إدلب. وحلب. وتدمر. ودرعا، أمام التنظيمات الدينية المدعومة تركيا وخليجيا.
وهكذا، فقوة التدخل الأميركي قد تتحول إلى جيش أميركي خرج من الباب، ليعود من الشباك، ويواجه خطرين متناقضين: توسع «داعش». واحتمال احتلالها لحلب والحسكة، بعد احتلالها الرمادي في العراق. وتدمر في سوريا.
وأقول هنا إن استيلاء «داعش» على حلب يهدد بالخطر أقليتين مذهبيتين سوريتين: الأقلية الإسماعيلية في الوسط. والدروز في الجنوب. فضلا عن تدفق ألوف المقاتلين السوريين، ومن العالم الإسلامي، لمناصرة «داعش».
وفي المقابل، فعلى قوة التدخل الأميركي أن تواجه. أو أن تتفرج على تدفق القوات الإيرانية والميليشيات العراقية العميلة لإيران، على التدخل المباشر في سوريا، والاقتراب من الحدود السعودية والأردنية، بعد طرد قوات «داعش» من منطقة النخيب في جنوب صحراء الأنبار العراقية.
مصادر المعارضة السورية تقدر عدد القوات الإيرانية والعراقية المتدفقة على سوريا بنحو 15 ألف جندي وميليشيوي. وأمَّن نظام بشار إيواءهم في المنطقة العلوية على الساحل، وفي المخيمات الفلسطينية المجاورة لمقام السيدة زينب الشيعي في ريف دمشق، بعد طرد اللاجئين الفلسطينيين منها.
لم تبدأ، بعد، معركة استرداد ما خسره النظام السوري في الشمال (حلب وإدلب). وفي الشمال الشرقي (الحسكة) حيث تتنازع «داعش» مع الميليشيات الكردية على السيطرة على الحدود السورية مع تركيا. غير أن القتال على أشده بين «حزب الله» والتنظيمات السنية الدينية في منطقة القلمون السورية، حيث يحاول الحزب فصل هذه التنظيمات عن امتداداتها داخل لبنان السني (منطقة عكار وعرسال في الشمال).
وتقوم حكومة حيدر العبادي العراقية بالتغطية على التدخل الإيراني/ العراقي المباشر في سوريا. وتصل المغالطة إلى حد قول العبادي إن العراق ليس بوابة للتدخل الإيراني في سوريا. ولا علاقة له بالنزاع الإيراني/ السعودي، فيما يطالبه مؤتمر باريس الفاشل باستعادة الرمادي. ومصالحة السنة العراقية. وإشراكها مع الشيعة والأكراد في صناعة القرار السياسي.
ما أحلى الرجوع الأميركي إلى هذه المنطقة الخطرة، لا سيما إذا ما تدخلت تركيا عسكريا في سوريا، لمواجهة التدخل الإيراني، إذا امتد إلى حلب وإدلب المجاورتين لحدودها. وكل ذلك يعني أن المأساة السورية/ العراقية مرشحة إلى التصعيد والاستمرار، ربما سنين أخرى.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
فيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمحرب #اسرائيل مع #حماس دينية ام سياسية ؟
Published by:صباح ابراهيمعن الفنان السوري #فؤاد_غازي: أخدوه ع الشام و"خيسوه"، الله "يخيّس" آخرتهم.
Published by:مفكر حرمن تلفيقات الفقهاء وأكاذيب المفسرين
Published by:صباح ابراهيمنبوءة_اشعياء وحرب #اسرائيل وحماس
Published by:صباح ابراهيمشيعة #العراق وأزمة المواطنة
Published by:علي الكاش** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هلوسات د. سمير غطاس حول أرض الموعد وهيكل سليمان … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السنديالطفل اليانع
Published by:آدم دانيال هومهالعراق ما بين الماضي الزاهي والحاضر العاثر
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- س . السندي on سيناريوهات الحرب بين #حماس و #إسرائيل.
- س . السندي on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- الأب بولس فلوح on رواية الغريب وضياع الهويه