أثينا ..صداع أوربي مزمن ؟!

greekأثينا ..
صداع أوربي مزمن.

يعترف العديد من المحللين السياسيين في الاتحاد الأوربي، ان اليونان بغض النظر عن الحزب الحاكم ، شكلت على الدوام حالة صداع مزمنة لبروكسيل .
ومع موعد كل انتخابات يونانية، يرتفع معدل تناول الحبوب المهدئة والأسبرين من قبل قادة الاتحاد الأوربي، حول مصير اليونان داخل أم خارج الإتحاد . والمواطن اليوناني عموماً عصي على الفهم، وقد يغير موقفه في اللحظة الأخيرة أمام صندوق الانتخابات. وعموماً تتحكم في مواقفه مجموعة عوامل منها اقتصادية وروابط عائلية، وحتى نوعية انتماء المرشح لأي فريق رياضي.
اليونان، مرة أخرى على موعد مع انتخابات برلمانية يوم الأحد 25-1 – 2015. وحتى منتصف ليلة الأحد، سيبقى قادة الاتحاد الأوربي في حالة قلق. ليس فقط على مصير ديونهم ولا حول خسارة اليمين اليوناني ، بل لأن فوز اليسار الاشتراكي ” سيرزا ” يعني بداية تحول وتغيير في خارطة القوى السياسية الأوربية . وبالتالي ما تخشاه السيدة مركيل ومعها الاسباني والايطالي هو سقوط أحزاب اليمين تحت تأثير الدومينو اليوناني .
او ربما لنقل ان الصراع بين التيار الأمريكي ، وبين التيار الألماني في دائرة الاتحاد قد يصبح أكثر حدة على مستقبل أسواق بلدان الاتحاد وجزء من بلدان الشرق الأوسط المستهلكة لكل المنتجات الأوربية الزائدة عن حاجة المواطن الأوربي بعد إغلاق أسواق روسيا أمام البضائع الأوربية بقرار أميركي .
قد لا تعجب البعض العبارة الأخيرة.. لا بأس ، دائما الاقتصاد هو محرك التاريخ . والنفط والغاز في المتوسط هو عنوان كبير لفهم جدلية الحرب والسلام في المنطقة، وصراع المصالح.
لنعود الى الانتخابات، سيشارك في هذه الانتخابات حوالي 21 حزباً منهم الحزبين الرئيسيين . أو قطبي الصراع . حزب الديمقراطية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء المستقيل السيد أدوني سماراس .”62 عاماً” المخضرم وريث الحزب اليميني العريق. وبين حزب ” سيرزا ” بقيادة الشاب ” ألكسي تسبرا ” من مواليد 1975 وهو أحد منظمي الإعتصامات الطلابية قبل انتخابه رئيساً لتجمع اليسار اليوناني قبل سنوات قليلة.
على كلا الحالات فوز ” سيرزا ” سيشكل سابقة من نوعها في التاريخ السياسي لليونان سواء القديم ام الحديث فمنذ قرابة الأربعين عاماًُ كان يتداول السلطة حزبي الديمقراطية الجديدة اليميني وحزب الباسوك . الأن هناك أحزاب جديدة في الخارطة السياسية لليونان. أضافة الى أحزاب صغيرة ربما تلعب دوراً هاماً في مستقبل التحالفات القادمة ، وعموماً فهي في خانة اليمين .
إما حزب الباسوك فقد تحول الى حزبين بعد تشكيل السيد يورغوس باباندريو لحزبه الخاص وانشقاقه عن الباسوك نتيجة استيلاء السيد فنزيلوس نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في الحكومة السابقة على حزب الباسوك .
وفي كلا الحالات فإن الباسوك وقد اشرنا لذلك في مقالات سابقة حول اليونان لم يعد فقط في المرتبة الثالثة بل تراجع الى المرتبة الخامسة . ومع احتمالات عدم وصوله الى البرلمان وحتى باباندريو سواء كحزب وكشخص إلا إذا حصلت معجزة حزبية في صفوف ناخبيه السابقين ، وهذا غير متوقعا. فإن الحديث يجري حول تحالفات أخرى لا علاقة للإيديولوجية بها . بل تتحكم بها المصالح . ومن الناحية العملية لم تعد تعني الأيديولوجية الشئ الكثير للمواطن الذي سحقته الضرائب والاستقطاعات المالية لصالح سداد ديون اليونان . بل البحث عمن يمتلك برنامج واقعي وعملي . هناك مشكلة الضمان الاجتماعي ومشاكل التنمية المتعثرة والبطالة المتفاقمة ..الخ
في أوساط الشارع الحديث يجري حول ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني عريضة من قبل مختلف القوى الفائزة. بهدف إيجاد حل واقعي ينقذ البلاد مع جدولة واقعية لمشكلة الديون الحكومية المتعثرة.
وبتقديري أنه من الصعب على احد الحزبين الرئيسيين اليمين واليسار الفوز بالأغلبية التي تؤهله تشكيل حكومته الخاصة والانفراد في الحكم. وربما هناك جولة أخرى ..؟ فالمعركة حادة جداً بين الحزبين وحجم البروبغندا الممارس من قبل الجميع عالي بل ووصل الى درجة غير مقبولة في بعض الحالات.
بطبيعة الحال هناك قوى أخرى مرشحة للخروج من البرلمان مثل اليسار الديمقراطي وحزب المستقلين اليميني.
أما الحزب الشيوعي، فليغفر لنا أصدقاءنا، أنه خارج المعادلة السياسية وغير مؤثر في الحياة العامة السياسية للبلد. فلا يكفي أن تتظاهر في الساحات العامة ثم تغادر المكان، لا بد من إعادة نظر في السياسات والممارسات القائمة. في زمن سابق عندما كان الأمين العام للحزب الراحل ” فلوراكس ” تحالف مع اليمين في حكومة واحدة . وأدى هذا التحالف الى فرملة خطوات اليمين وضبط سياساته العمالية . أم سياسة إدارة الظهر لما يجري فقد أدت الى ظهور قوى سياسية جديدة منذ أشهر تمكنت من الوصول الى المرتبة الثالثة في جدول الفائزين المتوقعين .المشكلة ليست في عدد نواب الحزب بل في فاعليتهم اليومية السياسية مع القوى الأخرى . أعتقد أن هذا عصر التحالف مع الأخريين كما أن اليمين موحد في جبهة واحدة ، لا أدري ماذا يمنع ويحو ول دون ائتلاف كافة القوى التي ترفع راية اليسار أو الشيوعية والتقدمية أو العلمانية حول برنامج عمل مشترك يمثل الحد الأدنى . يستجيب للمصالح الضرورية للمواطن في الصحة والتعليم وإيجاد فرص العمل الممكنة …؟! انتهى عصر ياعمال العالم اتحدوا ربما ايها الفقراء والمسحوقين والجائعين والمواطنين الصالحين اتحدوا.
عموماً سياسة التقوقع على الذات ، واعتبار أي حزب لذاته أنه النخبة هو برأي الشخصي حالة مرضية ، وهي المقدمة الأولى لعقلية الديكتاتورية.
وبانتظار نتائج الانتخابات، نتمنى للجميع حظ جيد ، فالديمقراطية هي أن تحكم مع وجود الأخر المختلف وحقه في التعبير عن نفسه .

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.