في دمشق, شارع حداد, المبنى 7, اقام الدكتور جورج فيشر اكثر من نصف قرن. العنوان مثل صاحبه قد لا يعني شيئاً يذكر لأحد خاصة وان حوالي الأربع سنوات مرت على موته, عن عمر الثمانية و تسعين عاما, و دفنه في “مكان ما من دمشق.” قد تهم جيران الدكتور فيشر, معلومة ان الاسم الذي عرفوه فيه كان مستعارا, وان اسمه الحقيقي كان ألويس بورنر. لا بد أنهم سيفاجئون عند معرفة ان جارهم, قبل وصوله الى بلدهم واقامته في حيهم, كان واحدا من ابرز اركان نظام ادولف هتلر النازي, وانه من اهم الملاحقين بتهمة ارتكاب جرائم حرب لكونه المسؤول المباشر عن مقتل اكثر من 128 الف يهودي. قد لا يستغرب جيران الدكتور فيشر, ومعهم بقية السوريين والعالم, عمق العلاقة التي ربطته برئيس الدولة بشار الأسد الذي ورث هذه العلاقة عن والده, لكن ما قد يدهشهم هو معرفة ان ضابط ال(اس اس ) السابق كان مستشارا للنظام السوري في شؤون التعذيب و انه درب اجيالا من الخبراء باستخدام الأساليب الوحشية داخل السجون.
الدهشة ازاء هذه المعلومات, لن تستمر طويلا قبل التوصل الى بديهيتها، فوحشية نظام الأسد تجاوزت و منذ زمن الحاجة لإثباتات إضافية حتى و ان كانت من النوع الذي يدل على علاقات تنظيمية مع فلول النازية.
الدهشة ازاء المعلومات بما فيها تلك المتعلقة برفض الأسد الأب تسليم مجرم الحرب بعد انكار وجوده في سوريا, ستمر سريعا و لكن ليس من دون ان تفتح الباب على بديهيات اخرى داعية لمزيد من النقاش.
خبر كشف مصير الكابتن الويس برونر, الذي بالكاد ذكرته بعض وسائل الأعلام العربية, اخذ حيزا كبيرا من التغطية في وسائل الأعلام الغربية, التي حفلت وعلى مدى أيام بالتقارير عن الهولوكوست و عن حملة ملاحقة المسؤولين عنها المستمرة منذ عقود بكلفة مادية و بشرية هائلة تحت عنوان تحقيق العدالة و ان بعد حين و ذلك بحجة ضرورة ان تتعلم البشرية من اخطائها.
كل هذا كلام لا خلاف حوله الا انه لا يغير من حقيقة ان البشرية كما تثبت المرحلة الراهنة لم تتعلم شيئا.
عقود مرت قبل ان تتصالح المجتمعات الاوروبية عامة, و المجتمع الألماني بشكل خاص مع فكرة ان المسؤولية لم تكن فقط على عاتق ضباط النازية, و لكنها ايضا مسؤولية المجتمعات التي قبلت و تواطأت, و مسؤولية الأفراد الذين سكتوا. حتى يومنا هذا, لا يزال جيل” الأحفاد” يسعى لتجاوزعقدة الذنب بسبب ارتكاب اجدادهم” جريمة الصمت” تجاه اكبر مجزرة موثقة في تاريخ الأنسانية.
خبر ازالة اسم برونر عن لائحة اهم المطلوبين بدا و كأنه الفصل الأخير من تاريخ جرائم الحرب في عالم صار خاليا من ممارسات الأنظمة الوحشية. تفصيل ان المعلومات مؤكدة بنسبة ٩٩ بالمئة لعدم امكانية نقل الرفاة بسبب “الحرب الدائرة” هناك, تعامل مع ما يجري في سوريا و كأن حرب الأبادة الدائرة ارضها لا تعني احداً غير السوريين انفسهم. ها هي الأنسانية ترتكتب جريمة الصمت و التواطئ مجددا و ليس على المستوى السياسي فقط.
الم يقتل نظام بشار الأسد, و يعتقل, و يعذب, و يهجر عدداً كافيا من السوريين ليحرك حساسية من يفترض انهم قد تعلموا من دروسهم السابقة؟
الجواب هو كلا…فالأسد ديكتاتور, و لكنه “ديكتاتور الاخرين، وليس ديكتاتورنا”، هم وحدهم مسؤولين عن صمتهم.
هذا ليس تقليلا من هول المحرقة و لا هو تقليل من أهمية محاسبة المجرمين بل هو محاولة لتعميم القيم التي ترتكز عليها قناعات يفترض انها تخص الأنسانية جمعاء.
جريمة الصمت لا تزال ترتكب و ما تفصيل علاقة ضابط نازي بوحشية ديكتاتوريات المنطقة مثل تفاصيل اخرى سبقتها و ثبتت علاقة النظام بداعش, الا ادلة اضافية على ترابط قيم العنف من جهة مقابل تفكك قيم العدالة من جهة اخرى. فالعدالة للأقوياء, اما عقد الذنب, فهي للتكفير عن جرائم الماضي و ليس لتجنب تكرار محارق جديدة.
ما اقرب الحاضر الى الماضي, و ما اكثر الأمثلة.
في فبراير من العام ١٩٤٣, تم اعدام صوفي شول و شقيقها هانز بعد اربعة ايام على توقيفهما بتهمة نشر ما كان يعرف ببيانات الوردة البيضاء التي اصبحت فيما بعد رمزا من رموز المقاومة اللاعنفية.
ستة هو عدد البيانات التي اصدرتها المجموعة المؤلفة من تلاميذ لم يتجاوز عددهم اصابع اليد, تمكنوا في زمن بريد القطارات من نشره في ١٦ مدينة اوروبية. “كلنا مذنبون” و “نحن ضميركم المتألم, الوردة البيضاء لن تتركم بسلام” هو بعض ما جاء في هذه البيانات التي فندت جرائم النازية اثناء ارتكابها.
صوفي لم تكن يهودية. كانت في الواحدة و العشرين من عمرها يوم عُلقت على المقصلة, و اخوها كان يكبرها بثلاث سنوات. لم يثر احد يومها. البشرية كانت منهمكة بالسكوت عن الجريمة. اليوم تعتبر الوردة البيضاء من اهم ايقونات الشعب الألماني الذي يضع صوفي وهانز بحسب احصاء اهم الشخصيات الألمانية في المرتبة الرابعة, قبل غوتة و اينشنتين و بيسمارك وويل براندت…
هذا الأسبوع, ذكرى مرور عام على خطف رزان زيتونة و رفاقها…وردتنا البيضاء و ضمير العالم المتألم.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية