مغامرة رأس المملوك جابر 3

سعد الله ونّوس

الرجل الرابع : ( ينتبه إلى اقترابهما يغير الكلام ، ويواصل دون تلعثم … يتابعه الآخرون بخوف ودهشة ) فلما حط الحمال حمولته على تلك المصطبة ليستريح ، خرج عليه من الباب نسيم رائق ( كلما اقترب الحارسان يعلو صوته ) ورائحة ذكية فاستلذ الحمال لذلك ، وجلس على جانب المصطبة ، فسمع نغماً وأوتارا وعودا وأصواتا مطربة ( يتوقف الحارسان قرب الجماعة ) فعندئذ تعجب وتقدم يتبع الصوت. دفع الباب ودخل .. فوجد أمامه بستانا عظيما، ورأى فيه غلمانا وخدما وحشما ، ثم هبطت عليه رائحة أطعمة زكية من جميع الألوان المختلفة والشراب الطيب ، فرفع طرفه إلى السماء ، وقال : ماذا قال ؟ ( يتوقف لحظة ، وكأنه يشوق السامعين ) .
الحارس 1 : يتسلون ، ويروون حكايات .
الحارس 2 : أشعر بالجوع .
الحارس 1 : ( يوالي … بينما يبتعد الحارسان ) قال … سبحانك يا رب يا خالق وعندها لمح صبية ذات حسن وبهاء …
( يختفي الحارسان ، فيتوقف الرجل الرابع ، يتنهد الجميع بارتياح وكأنهم خروجوا من محنة ، بعضهم يجفف حبات عرق تفصدت من الوجوه ).
المرأة الأول : ( ساقاها ترتجفان ، فتجلس ) آه … لا تحملني ساقاي بعد.
المرأة الثانية : عمري ما رأيت سحنة الحراس مخيفة مثل اليوم .
المرأة الأولى : سحنتهم دائماً مخيفة ولو لم ينظروا إلينا .
الرجل الأول : ( بما يشبه الحنق ) أرأيت إن كان ضروريا أن نسأل ! .
الرجل الثاني : لماذا لم تسألهم عن سبب الخلاف ؟.
الرجل الثالث : ولكنك تصرفت بفطنة أيها الرجل .
الرجل الرابع : وحق الله أخافهم مثلكم … وشعرت قلبي يكاد أن يتوقف لكن أنظل كالعميان لا نعرف إلى أية مهاو تدفعنا الأحداث .
المرأة الأولى : ( بعنف ) إذا كنا عميانا ونحن بين أهلنا ، أفضل من أن نعمى في ظلال الزنزانات .
المرأة الثانية : بالله عليك كفي … ألم تر بعينك ! سنشتري خبزنا ، وننزوي مع أهلنا في بيوتنا .
الرجل الأول : لدى السادة دائماً أسباب كافية للخلاف أما نحن فلا ناقة لنا ولا جمل ( لغط بين الزبائن ، ثم يتوضح ) .
زبون 1 : هو بعينه ..
زبون 2 : الشخص الذي كان مع المملوك .
زبون 3 : وما يزال يحمل السلم على ظهره .
زبون 1 : ( بصوت عال ) أخي نزل هذا السلم عن ظهرك .
الرجل الرابع : ( يقطع التمثيل ملتفتا إلى الزبائن ) آه لو أستطيع .
زبون 3 : هذه سوسة إذا سكنت الرأي صعب انتزاعها .
الحكواتي : ( يعلو صوته ، ليسيطر على الموقف ، فيمنع انقطاع خيط الحكاية بالنقاش ) وتناول الرجل العجوز الكلام ، فأورد ما علمته الأيام .
الرجل الثالث : سأقول لك شيئا … عشت عمرا طويلاً يكفي لكي يتعلم المرء كيف تجري الأمور هنا . مهما اشتدت الخلافات بين سادتنا ، وفرقت بينهم المصالح ، فإنهم يظلون متفقين على شيء واحد ، أتعرف ما هو أيها الرجل الذي لا تنقصه الفطنة ؟.
الرجل الرابع : أتمنى أن أعرف ما هو .
الرجل الثالث : هو ألا نتدخل نحن العامة في شؤونهم وخلافاتهم . ولو فعلنا لتوحدوا فورا ، واتجهوا بكل قواهم نحونا .
المرأة الأولى : وبعدئذ تمتلئ السجون .
الرجل الثاني : ويختفي الرجل .
الرجل الرابع : وحق الله وأنا عشت طويلاً ما فات من العمر أكثر مما بقي ، أعرف أن ما تقوله صحيح أعرفه كما أعرف سجون بغداد وسياط جلاديها .
المرأة الثانية : هل كنت في السجن .
الرجل الرابع : أي وحق الله كنت فيه .
المرأة الأولى : ليس غريبا أن تعرف السجون ما دمت تحب كثيراً طرح الأسئلة .
الرجل الثاني : ( بانتصار ولوم ) أرأيت … هذا كل ما يجنيه المرء في النهاية .
المرأة الثانية : وبما أنك خرجت اعتبر نفسك مولوداً ، وتعلم الابتعاد عن المشاكل .
الرجل الرابع : كنت مثلكم أعتقد أن هذا ما ينبغي أن يتعلمه الإنسان كي يجد طريق الأمان .
الرجل الأول : ثم وسوس لك الشيطان ، فبدلت اعتقادك ، فاستضافتك السجون .
الرجل الرابع : أي وحق الله قضيت فترة ليست قصيرة في السجون ، ومع هذا فقد ازددت يقينا بأن ما تقولونه لا يقود إلا إلى ما نحن فيه ، نهترئ كالنفايات ، ونجري قلقين كالكلاب الملدوغة ، وندفع ضريبة خلافات لا نعرف أسبابها ولا مغزاها . .
المرأة الأولى : تلك قسمتنا .
الرجل الثاني : ستعود حتما إلى السجن .
المرأة الثانية : تريد أن تودي بنا جميعا .
المرأة الأولى : أي والله هذا ما تريد أن تفعله .
الرجل الأول : نحن لا نحب السجون .
الرجل الرابع : وحق الله وأنا مثلكم لا أحب السجن ، ولا أتمنى أن أتذكره .
الرجل الأول : إذن اترك هذه الشؤون ، وابتعد عنها ما استطعت .
الرجل الرابع : إلا أني لا أحب أيضاً عيشة الكلاب التي أعيشها ، كما لا أحب أن أدفع رأسي ثمنا لاضطراب لا رأي لي فيه .
الرجل الأول : وماذا يستطيع أن يفعل مثلك ومثلي الخلاف يدب بين الخليفة ووزيره .
( هنا ينقسم الممثلون الخمسة إلى مجموعتين يتوزعان الحوار الشبيه بالمونولوج ، إنهم جميعا في مواجهة الرابع … ) .
المجموعة 1 : مولانا الخليفة عنده حرأسه وقواته .
المجموعة 2 : وسيدنا الوزير له حرأسه وقواته .
المجموعة 1 : قد يقع الصدام بين لحظة ولحظة .
المجموعة 2 : فلماذا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة ! .
المجموعة 1 : الخلاف بين وزير وخليفة .
المجموعة 2 : لكل منهما قصد وخطة .
المجموعة 1 : أما نحن فلا ناقة لنا ولا جمل .
الرجل الرابع : ( يحاول أن يحتفظ بهدوئه ) أراكم تنسون أيها الناس الطيبون أنهما يتعاركان فوق رؤوسنا .
المجموعة 2 : ننتظر ونرقب النتائج .
المجموعة 1 : ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا .
المجموعة 2 : هذا هو … من يتزوح أمنا نناديه عمنا .
( تتدافع من الزبائن تعليقات تختلط بها احتجاجات الرجل الرابع ) .
زبون 1 : والله … عين الصواب .
زبون 2 : هذا مقال من يريد راحة البال .
زبون 1 : صرعة مالنا فيها .
الرجل الرابع : لا … لن تنجو رؤوسنا .
زبون 3 : طريق مأمون من قديم الزمان .. من يتزوج أمنا نناديه عمنا .
الرجل الرابع : فوق رؤوسنا يتعاركان فوق هذه الرؤوس البائسة ستنزل أقسى الضربات ، إننا نتخلى عن رؤوسنا . نسلمها إلى الجلادين ، وأسوأ من الجلادين .
زبون 1 : انتبهوا يحرضكم على الفتنة .
زبون 3 : نوع من الرجال يحب إثارة المشاكل، لكي يتفرج بعدئذ على المشاكل .
المرأة الثانية : بالله عليك افتح جرابك الخطير بعيداً عنا .
الرجل الثالث : إذا شئت يمكنك أن تتصرف برأسك كما يحلو لك .
المجموعة : ( تقلد طريقته بالكلام ) وحق الله فكرة . لك رأس كسائر الناس فافعل ما يحلو لك ، واترك رؤوسنا لنا .
المرأة الأولى : ( صائحة ، تقف فجأة ) أتشمون ! رائحة الخبز .
أصوات : – الخبز .
– دوري أنا.
– أخيراً بعد هذا الانتظار.
( ينهضون جميعاً باستثناء الرجل الرابع ، الذي يتابعهم بعينين حزينتين يتدفعوا أمام شباك الفرن في هياج وتعجل ) .
صوت الفران : اتفقوا على الدور أولاً .
الرجل الثاني : لي بالتأكيد لي : تذكر ألم أكن أول من جاء يطلب خبزاً .
صوت الفران : ربما . ولكن المهم أن تكونوا بالدور .
المرأة الأولى : ( راضخة ، تقف وراء الرجل الثاني ) لم تعد هناك شفقة .
الرجل الثالث : ( يقف آخر الصف ، بينما يظل الرجل الرابع جالساً ) ليأخذ كل دوره ، ذلك أفضل .
( يبدأ الجميع بالانتظام في صف أمام الشباك كل واحد يشتري خبزه ويمضى ) .
الرجل الثالث : ( للرابع ) انهض وخذ دورك قبل أن يأتي من يأخذه .
الرجل الرابع : وحق الله . ليس هذا هو طريق الأمان .
الرجل الثالث : اشتر خبزك وتحصن في بيتك لن تصلح العالم على كل حال .
الرجل الرابع : إذن خذ مكانك ، واشتر خبزك .
( يشتري الناس خبزهم ويمضون مسرعين . يصبح الرجل الثالث عند الشباك فينهض الرجل الرابع متثاقلاً . ويقف وراءه منتظراً دوره ) .
زبون 2 : أي انهض أخي .. انهض ذلك أفضل .
(يشتري الرابع بضعة أرغفة ، يدسها في كيسه . ثم يلقي نحو الزبائن نظرة عاتبة وحزينة).
الرجل الرابع : ( وهو يمضى ) وحق الله . ليس هذا طريق الأمان .
الحكواتي : هذا ما كان من أهل بغداد ، من استطاع منهم اشترى خبزه ومضى مسرعا إلى بيته ، أما قصر الوزير محمد العبدلي فلم تكن تهدأ فيه الحركة ، مماليك ينزلون إلى المدينة ، ويعودون إلى الوزير بالأخبار يدخلون ديوانه ، ويخرجون مرتعدين يتبعهم السباب والصياح الغاضب ، لكن لا يمر بعض الوقت حتى يأتي الأمر بالنزول مرة.
أخرى إلى المدينة ، فيذهب من يتسقط الأنباء ، ويراقب مجرى الحال وشاعت في الأروقة أخبار وحكايات وكان الجميع يتمنون لو تظل الأحداث بعيدة عنهم . فلا تقربهم أو تصيبهم . لكن ” جابر سمع خبرا سال له لعابه ، فجأة رأى الأبواب مفتوحة أمامه ، فاندفع يجري وراء أحلامه .
زبون : المملوك جابر نفسه .
زبون 2 : لابد أنه خبر هام حتى يهتم له جابر .
زبون 1 : هات يا عم مونس ما هذا الخبر ؟.
الحكواتى : انتظروا وسيأتي الجواب .
الخادم : ( منتهزا الفرسة يدور بموقد الفحم ) نارة .
زبون : هنا يا أبا محمد .
الخادم : حاضر .
( أثناء الحوار السابق ، يعود بنا المشهد إلى رواق في قصر الوزير .. يظهر المملوك ياسر طويل القامة ، وافر الصحة ، وجهه عريض تطفو على ملامحه بلادة توحي بالجلافة والطيبة . يمشي مهرولا ، حاملاً على وجهه أمارات الاضطراب والفزع يلتقي بالمملوك جابر ، ويكاد أن يصطدم به .
ياسر : يا حفيظ .
جابر : مالك يظن من يراك أنهم حشوا مؤخرتك فلفلاً أحمر .
ياسر : يا حفيظ تحدث في هذه المدينة أمور جسيمة .
جابر : ماذا أصابكم اليوم جميعاً ؟ لن تقول إنه يوم الحشر .
ياسر : لا أدري إذا كان يوم الحشر أم لا ، لكني أكاد لا أصدق أني خرجت من الديوان بسلام . ( يمسح العرق عن جبينه ) . شعرت روحي تنخطف من جسدي .
جابر ؟: أكاد أعتقد أن سيدنا الوزير تقمصه عفريت قل لي … هل نبت في رأسه قرنان ، أم تدلى من فمه نابان ؟.
ياسر : أتمزح ! آه لو ترى وجهه وهو يتلون ويحتقن . نظر إلى وكأنه يريد أن يمسحني عن وجه الأرض . يا حفيظ لو تعثرت قدماي في الخروج لرمى عنقي دون تأخير ولو أعرف ما ذنبي هل أستطيع أن أكذب ، كل الناس يعرون أن أبواب بغداد أصبحت مسدودة ، وأن الحراس ينتشرون عليها كأنهم جند الموت ؟.
جابر : أي حراس .
ياسر : حراس مولانا الخليفة يا حفيظ أن أحداثا رهيبة تقع حولنا . سمعت أن الخليفة لم يغادر البلاط هذه الليلة ، ولم ينم لحظة واحدة . .
جابر : ولم ؟ هل خاف أن يجردوه من سرواله وهو نائم .
(يقترب منهما منصور ، وينضم إليهما ) .
ياسر : بل كان … ( يتوقف فجأة ، وكأنه اكتشف شيئاً مزعجاً ) يا حفيظ ما زلت تمزح ؟.
جابر : الطاعون يفتك ببغداد يا منصور أصبحت الرعية كلها تشتغل بالسياسة .
ياسر : ( فزعا ) أأنا أشتغل بالسياسة ! كنت أروي ما سمعت لا أكثر .
منصور : لا تلق بالا إليه ألا تعرف لسانه ، ألديك أنباء جديد ؟.
ياسر : كل الناس يقولون … إن مولانا الخليفة لم ينم لحظة واحدة هذه الليلة ( يخفض صوته ) ظل مجتمعا بقواد الأمن حتى الصباح .
منصور : كنت أعلم أنها لن تنتهي ببساطة .
ياسر : يبدو أنهم اتخذوا قرارات خطيرة فمع طلوع النهار خرج الحراس من القصر يحملون عتادهم ، وكأنهم يمضون إلى الحرب . اخترقوا الشوارع فأرهبوا الناس ، ثم انتشروا على أبواب المدينة ، أصبح الخروج من بغداد أصعب من دخول الجمل في ثقب الإبرة . جابر : إجراء يوفر على الخليفة بناء سجون جديدة .
منصور : أرأيتهم بعينيك ؟.
ياسر : رأيتهم ! يا حفيظ . منذ قليل كنت هناك سيدنا الوزير منزعج للغاية ، أرسلني كي أتجسس له ، وأخبره بما يجري على الأبواب ، وعندما أخبرته غضب مني ولكن ماذا أفعل ؟ هل أستطيع أن أكذب ؟ وصفت له ما يحدث دون زيادة أو نقصان . رأيتهم بعيني بقفون على كل الأبواب .
ويفتشون كل من يحاول الخروج تفتيشا أدق من حساب الآخرة يا حفيظ ، يرتعد المرء كأنه أمام الموت ، لا يتركون جيبا أو ثنية . جردوا بعض الناس من ملابسهم ومزقوا بطانتها ، والويل لمن يتباطأ أو يحتج .
جابر : والنساء أيضاً ! .
ياسر : لا يفرقون بين رجل وامرأة .
جابر ( عابثا يقلد ياسر ) يا حفيظ.
منصور : إذن يتوقعون أن يتسرب شيء هام من بغداد .
ياسر : هام وخطير .
هناك رسالة تحوم راغبة في الخروج .
منصور : أهو سيدنا الوزير؟.
ياسر : لم يعد ذلك سراً … عندما علم بأمر الحراس وإغلاق المدينة احمر وجهه ، وتدافعت من فمه الكلمات يا حفيظ ، الغضب عدو الحذر .
منصور : هذه المرة ستمضي الفتنة إلى نهايتا .. قل لي .. أتعرف إلى أين سيبعث الوزير رسالته ؟.
جابر : تسأله وكأنه كاتم أسرار الدولة .
ياسر : يا حفيظ .. ومن أين لي أن أعرف ! كل ما أستطيع تأكيده هو أن الرسالة هامة وخطيرة للغاية ، كاد الوزير أن يصاب بالفالج عندما علم بإجراءات مولانا الخليفة ، لا شك أنه يعطي أي شي من أجل وصول هذه الرسالة .
جابر : ( ينتبه .. ويبدأ اهتمامه بما يحكي ) ماذا قلت ؟.
ياسر : ( كأنه فوجئ ) ماذا قلت ؟.
جابر : أعد .. أعد ما قلته .
ياسر : إنك تربكني .. قلت إن سيدنا الوزير يعطي أي شيء من أجل وصول هذه الرسالة.
جابر : ( ساهما ) يعطي أي شيء ! .
منصور : الحوادث تجري بسرعة ، ولا أحد يعلم ما يدبر حولنا .
جابر : هل وعد سيدنا بمكافأة معينة ؟.
ياسر : مكافأة ! أتقول مكافأة ! من يخرج بهذه الرسالة يستطيع أن يتمنى على سيدنا الوزير ما يشاء .
جابر : أيرفعه مرتبة لو طلب ذلك ؟ .
جابر : ( والبريق يشتد في عينيه ) يعطيه كيسا مليئاً بالذهب ؟ .
ياسر : يعطيه أكياساً … ولكن من يجرؤ على المخاطرة ! يا حفيظ … سيصبح حاملها جثة قبل أن يخطو خطوة واحدة خارج بغداد . .
منصور : ولك جابر … أراك تهتم بالأمر ماذا يدور في ذهنك ؟.
جابر : يدور شيء باهر يا منصور ، ولكن انتظر .. لتر مرة أخرى كيف يتم التفتيش ؟.
ياسر : لا تسأل عن التفتيش .. قلت لك أدق من حساب الآخرة . ينبغي أن تذهب وترى بنفسك يا حفيظ … لا يتركون شيئاً على الإطلاق . رأيتهم بعيني يمزقون رغيف خبز نتفة ، نتفة ، خشية أن يكون فيه شيء مخبوء ، الثياب والأحذية .. وفوق ذلك الاستجوابات الدقيقة ، لا .. لا .. تأمل شيئاً ، الهواء نفسه لا يستطيع أن يمر من بين أيديهم .
جابر : مع هذا قد تكون الحيلة أبرع من الهواء .
منصور : ( لاهثا ) جابر – بماذا تفكر ؟ .
جابر : أفكر بأشياء يا منصور أشياء مثيرة يختلط فيها وهج الذهب وعطر زمرد وعلو المقام ( إلى ياسر ) أمتأكد أنت سيدنا الوزير لن يرد طلبا لمن يحمل رسالته ؟ .
ياسر : متأكد كوجودي يا حفيظ .. ربما كان مستعدا لأكثر من ذلك .
جابر : سأبحث عن الإلهام يا منصور إني بحاجة إليه الآن . ألم أقل لك .. قد نقبض بدلاً من أن ندفع . إذا ظل رأسي ملتهبا كما هو الآن ، فلن تضيع الفرصة .
منصور : لا تكن أحمق .. رغم كل شيء لا أريد أن يصيبك سوء إنك تتبع غواية مهلكة .
جابر : كل شيء يتعلق بهذا اللهيب الذي اتقد به رأسي فجأة اشملني بدعواتك وأنت تصلي .. ( ويمضى مغنيا وسط ذهول الآخرين ) . عندما أصبح للمسلمين خليفة . سأسميك وزيراً للدولة . عندما أصبح للمسلمين خليفة .. سأسميك وزياً … ( ويختفي بعيداً ) . .
منصور : أي جنون ! .
ياسر : ( تغلف وجهه البلاهة ) أتعتقد أنه .
جاد ؟.
منصور : إنك لا تعرف إذن .
ياسر : يا حفيظ .. لو رأى الحراس لخاف من مجرد التفكير .
منصور : ( وهو ينصرف ) اللهم أتم علينا خير النهاية .
ياسر : ( يتوقف لحظة شبه مذهول ، ثم ينصرف بدوره ) يا حفيظ ..
( يخرج الاثنان حاملين معهما قطع الديكور ) .

About سعد الله ونوس

سعد الله ونوس، (1941-1997) مسرحي سوري. ولد في قرية حصين البحر القريبة من طرطوس. تلقى تعليمه في مدارس اللاذقية. حصل على منحة لدراسة الصحافة في القاهرة (مصر)، وقد كان للانفصال بين سوريا ومصر أعمق أثر في كتاباتة كما نرى في أولى مسرحياته الحياة إبدأ التي نشرت بعد موته بدأ الكتابة في مجلة الآداب التي نشر فيها مقالا عن الانفصال ودراسة عن رواية السأم لالبرتو مورافيا، ثم رجع إلى دمشق وعمل في وزارة الثقافة عمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي السفير اللبنانية والثورة السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا. في أواخر الستينات، سافر إلى باريس ليدرس فن المسرح. وبعد أن عاد تسلم تنظيم مهرجان المسرح الأول في دمشق ثم عين مديرا ً للمسرح التجريبي في مسرح خليل القباني مسرحياته كانت تتناول دوما نقدا سياسيا اجتماعيا للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة1967، في أواخر السبعينات، ساهم ونوس في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية ب دمشق، وعمل مدرساً فيه. كما أصدر مجلة حياة المسرح، وعمل رئيساً لتحريرها. 996 تم تكريم سعد الله ونوس في أكثر من مهرجان أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج وتسلم جائزة سلطان العويس الثقافية عن المسرح في الدورة الأولى للجائزة في 15 أيار (مايو) 1997، توفي ونوس بعد صراع طويل استمر خمس سنوات مع مرض السرطان.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.